مويسس نعيم، رئيس تحرير مجلة السياسة الخارجية
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
العالم يريد من الولايات المتحدة ان تعود الى دورها السابق.
سوف يعاد تشكيل السياسة العالمية، في السنوات القليلة القادمة، من خلال الرغبة القوية في تولي اميركا لدفة القيادة. ان هذا التوجه سوف لن يكون متوقعا بنفس القدر الذي يكون محتوما: فهو غير متوقع من جهة النزعة القوية لمعاداة الولايات المتحدة في ارجاء الكرة الارضية، وهو محتوم بسبب ان الفراغ لن يملأه سوى الولايات المتحدة.
ان هذه الشهية العالمية المتجددة لتولي الولايات المتحدة زمام الامور لن تكون مجرد نتيجة للانتخابات الرئاسية، رغم ان تولي رئيس جديد مهام البيت الابيض سوف يساعد في ذلك بالتأكيد. لقد سمحت فترة قرابة عقد من الزمن من غياب الولايات المتحدة وتشتت انتباهها، سمحت للمشاكل الدولية والاقليمية ان تتضخم. وعادة ما تكون الولايات المتحدة الدولية الامة الوحيدة التي لها الارادة والوسائل في اتخاذ موقف فاعل.
سوف لن تختفي النزعة المعادية لاميركا بالتأكيد، كما لن يختفي اعداء اميركا. ولكن موجة العداء لاميركا القوية سوف تتعايش بشكل متزايد مع المطالب الدولية، المساوية لها في القوة، لأن تتخذ الولايات المتحدة دورا اكبر في الشؤون العالمية.
ان اميركا التي يريدها العالم ان تعود هي ليست بالطبع تلك التي تغزو اعدائها المحتملين كاجراء استباقي، او التي ترهب حلفاءها، او تلك التي تتعالى على القانون الدولي. لكن الدعوة تتجسد في اميركا التي تجمع الامم الاخرى التي تميل الى الجلوس على الحافة بينما تغلي الازمات الدولية الخارجة عن السيطرة؛ الى قوة عظمى قادرة على تقديم مبادرات خلاقة لمواجهة التحديات الراهنة مثل التغير المناخي، والانتشار النووي المفاجي، والاصوليين الاسلاميين المتخذين سبيل العنف. الطلب على اميركا التي تفرض القواعد التي تسهل التجارة العالمية وتعمل بفاعلية على استقرار الاقتصاد العالمي امام المخاطر. وبطبيعة الحال، فان العالم يتطلع الى قوة عظمى تكون مسوؤلة عن تغطية النفقات بسخاء لا تضاهيه أية امة اخرى,
ان هذه هي مجرد توقعات ساذجة. القادة الاجانب يعلمون انه حتى في افضل الظروف فان الرئيس المقبل للولايات المتحدة لن يكون قادرا على تنفيذ هذه الاشياء. كما انهم يتفهمون دائما ان القيادة الاميركية تأتي دائما بثمن. ينطوي الظهور كحليف مقرب كثيرا الى الولايات المتحدة على مغامرة بالموقف السياسي بالنسبة للساسة المنتخبين اينما كانوا. ومع ذلك، لازال البعض يبدي استدادا غير متوقع للوقوف بجانب اميركا.
لنعتبر بما حدث في اذار من العام الماضي حينما زار الرئيس بوش اميركا اللاتينية، وهي المنطقة التي كان يتجاهلها بشكل كبير. بالنسبة الى الكثيرين فان الرحلة وصمت بانها قليلة الشأن طالما ان بوش لم يكن لديه شيء حقيقي يقدمه.غير ان رؤوساء اميركا اللاتنينية الذين طلب منهم استضافة هذه البطة العرجاء، الفارغة اليدين والمشعة سياسيا، وافقوا على فعل ذلك، بل ان بعضهم حشد جهوده لئلا يخلو جدول رحلات بوش من زيارته. ماذا كان يحمل لهم؟ الامل ان يحملوا القوة العظمى على فعل شيء من اجلهم. الرئيس البرازيلي اليساري لويز اناشيو لولا دي سيلفا هو صديق شخصي وظهير اسناد لطريد بوش هيوغو شافيز، غير انه طلب المساعدة بشأن صناعة الايثانول في بلده.
في تركيا، كما هو الحال في البرازيل، فان الشعب ناقد متعمق للولايات المتحدة. غير ان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان قد استضاف علنا ادارة بوش كما فعل نظيره البرازيلي. يعلم رئيس الوزراء التركي ان الولايات المتحدة هي افضل حلفاء بلاده في الجهود الرامية الى ضم تركيا الى الاتحاد الاوربي.
ان لولا واردوغان هما مجرد قياديين اثنين ضمن قائمة طويلة من قادة العالم الذين يتفهمون انه بينما تكون الولايات المتحدة قادرة على استخدام اليد الثقيلة بعض الاحيان، فان البدائل هي اسوأ بكثير. القليون فقط هم الذين يريدون ان تتولى قيادة العالم انظمة اوتوقراطية مثل التي تحكم روسيا او الصين. كما لا تقوى اوربا العاجزة على تقديم الكثير في طريق توليها القيادة. وبغياب تلك الخيارات فان هناك امكانيات قليلة الى جانب العيش في فراغ فوضوي. ولذلك فان الكثير من القادة الاجانب مستعدون لدفع الثمن الناجم عن قيادة اميركا للعالم. انهم يسألون فقط ان لا يشتمل الثمن على الخنوع الى نزوات عملاق لديه من القوة اكثر مما لديه من العقل، والذي تحط من قدر شرعيته العروض الدورية لعدم الكفاءة والتهور والجهل.
اظهرت مسوحات الرأي العام في بلدان متعددة وعلى مدى عدة سنوات ان شرعية وهيبة الولايات المتحدة قد تدهورت. غير ان موقع WorldPublicOpinion.org قد اعلن ان نفس المجتمعات التي لا تريد ان تكون للولايات المتحدة الموقع القيادي في العالم، لا ترغب في ان تنسحب اميركا من الشؤون الدولية. على سبيل المثال، فان 93% من المستطلعين في كوريا الجنوبية، و78% في فرنسا، و71% في المكسيك قالوا في السنة الماضية ان على الولايات المتحدة ان تتخذ دورا في في حل المشكلات الدولية. بالاضافة الى ذلك فانه على الرغم من الانطباع السلبي عن الولايات المتحدة عموما، فان معظم الاشخاص الذين شملهم المسح يعتقدون ان العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وبلدانهم هي في تحسن. لم يرد في اي بلد تم اجراء المسح فيه ان الناس يتعقدون بتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة.
وبالمثل فان الاميركيين راغبون في ان تكون الولايات المتحدة اكثر احتراما في الخارج. يقول تسع وستون بالمائة من الاميركيين انهم يعتقدون ان من الافضل للولايات المتحدة ان يكون لها دور في الشؤون الدولية. كما ان احد اعضاء الادارة الاميركيين البارزين دعى الى تبني اتجاها جديدا في تفكير الولايات المتحدة تجاه العالم. وقد قال: "النجاح سوف يكون اقل اهمية عند فرض الادراة الذاتية، وهو اكثر فائدة عند تشكيل سلوك الاصدقاء، والدعاة، والاكثر اهمية الناس بينهما... نحن بحاجة الى زيادة ملحمية في الانفاق على الوسائل المدنية التي تخدم الامن الوطني مثل الدبلوماسية، والاتصالات الستراتيجية، والمساعدات الخارجية، والنشاط المدني، واعادة الاعمار والتطوير الاقتصادي". ان هذا الاميركي الذي يناشد بشدة من اجل مغادرة الادارة للسياسة الخارجية القائمة على العسكرة ليس الا وزير الدفاع روبرت غيتس.
ان الطلب على نوعية جديدة من القيادة الاميركية للعالم لازال موجودا. وبشكل متزايد، فان العرض للايفاء بهذا الطلب سوف يكون موجودا ايضا.
عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
العالم يريد من الولايات المتحدة ان تعود الى دورها السابق.
سوف يعاد تشكيل السياسة العالمية، في السنوات القليلة القادمة، من خلال الرغبة القوية في تولي اميركا لدفة القيادة. ان هذا التوجه سوف لن يكون متوقعا بنفس القدر الذي يكون محتوما: فهو غير متوقع من جهة النزعة القوية لمعاداة الولايات المتحدة في ارجاء الكرة الارضية، وهو محتوم بسبب ان الفراغ لن يملأه سوى الولايات المتحدة.
ان هذه الشهية العالمية المتجددة لتولي الولايات المتحدة زمام الامور لن تكون مجرد نتيجة للانتخابات الرئاسية، رغم ان تولي رئيس جديد مهام البيت الابيض سوف يساعد في ذلك بالتأكيد. لقد سمحت فترة قرابة عقد من الزمن من غياب الولايات المتحدة وتشتت انتباهها، سمحت للمشاكل الدولية والاقليمية ان تتضخم. وعادة ما تكون الولايات المتحدة الدولية الامة الوحيدة التي لها الارادة والوسائل في اتخاذ موقف فاعل.
سوف لن تختفي النزعة المعادية لاميركا بالتأكيد، كما لن يختفي اعداء اميركا. ولكن موجة العداء لاميركا القوية سوف تتعايش بشكل متزايد مع المطالب الدولية، المساوية لها في القوة، لأن تتخذ الولايات المتحدة دورا اكبر في الشؤون العالمية.
ان اميركا التي يريدها العالم ان تعود هي ليست بالطبع تلك التي تغزو اعدائها المحتملين كاجراء استباقي، او التي ترهب حلفاءها، او تلك التي تتعالى على القانون الدولي. لكن الدعوة تتجسد في اميركا التي تجمع الامم الاخرى التي تميل الى الجلوس على الحافة بينما تغلي الازمات الدولية الخارجة عن السيطرة؛ الى قوة عظمى قادرة على تقديم مبادرات خلاقة لمواجهة التحديات الراهنة مثل التغير المناخي، والانتشار النووي المفاجي، والاصوليين الاسلاميين المتخذين سبيل العنف. الطلب على اميركا التي تفرض القواعد التي تسهل التجارة العالمية وتعمل بفاعلية على استقرار الاقتصاد العالمي امام المخاطر. وبطبيعة الحال، فان العالم يتطلع الى قوة عظمى تكون مسوؤلة عن تغطية النفقات بسخاء لا تضاهيه أية امة اخرى,
ان هذه هي مجرد توقعات ساذجة. القادة الاجانب يعلمون انه حتى في افضل الظروف فان الرئيس المقبل للولايات المتحدة لن يكون قادرا على تنفيذ هذه الاشياء. كما انهم يتفهمون دائما ان القيادة الاميركية تأتي دائما بثمن. ينطوي الظهور كحليف مقرب كثيرا الى الولايات المتحدة على مغامرة بالموقف السياسي بالنسبة للساسة المنتخبين اينما كانوا. ومع ذلك، لازال البعض يبدي استدادا غير متوقع للوقوف بجانب اميركا.
لنعتبر بما حدث في اذار من العام الماضي حينما زار الرئيس بوش اميركا اللاتينية، وهي المنطقة التي كان يتجاهلها بشكل كبير. بالنسبة الى الكثيرين فان الرحلة وصمت بانها قليلة الشأن طالما ان بوش لم يكن لديه شيء حقيقي يقدمه.غير ان رؤوساء اميركا اللاتنينية الذين طلب منهم استضافة هذه البطة العرجاء، الفارغة اليدين والمشعة سياسيا، وافقوا على فعل ذلك، بل ان بعضهم حشد جهوده لئلا يخلو جدول رحلات بوش من زيارته. ماذا كان يحمل لهم؟ الامل ان يحملوا القوة العظمى على فعل شيء من اجلهم. الرئيس البرازيلي اليساري لويز اناشيو لولا دي سيلفا هو صديق شخصي وظهير اسناد لطريد بوش هيوغو شافيز، غير انه طلب المساعدة بشأن صناعة الايثانول في بلده.
في تركيا، كما هو الحال في البرازيل، فان الشعب ناقد متعمق للولايات المتحدة. غير ان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان قد استضاف علنا ادارة بوش كما فعل نظيره البرازيلي. يعلم رئيس الوزراء التركي ان الولايات المتحدة هي افضل حلفاء بلاده في الجهود الرامية الى ضم تركيا الى الاتحاد الاوربي.
ان لولا واردوغان هما مجرد قياديين اثنين ضمن قائمة طويلة من قادة العالم الذين يتفهمون انه بينما تكون الولايات المتحدة قادرة على استخدام اليد الثقيلة بعض الاحيان، فان البدائل هي اسوأ بكثير. القليون فقط هم الذين يريدون ان تتولى قيادة العالم انظمة اوتوقراطية مثل التي تحكم روسيا او الصين. كما لا تقوى اوربا العاجزة على تقديم الكثير في طريق توليها القيادة. وبغياب تلك الخيارات فان هناك امكانيات قليلة الى جانب العيش في فراغ فوضوي. ولذلك فان الكثير من القادة الاجانب مستعدون لدفع الثمن الناجم عن قيادة اميركا للعالم. انهم يسألون فقط ان لا يشتمل الثمن على الخنوع الى نزوات عملاق لديه من القوة اكثر مما لديه من العقل، والذي تحط من قدر شرعيته العروض الدورية لعدم الكفاءة والتهور والجهل.
اظهرت مسوحات الرأي العام في بلدان متعددة وعلى مدى عدة سنوات ان شرعية وهيبة الولايات المتحدة قد تدهورت. غير ان موقع WorldPublicOpinion.org قد اعلن ان نفس المجتمعات التي لا تريد ان تكون للولايات المتحدة الموقع القيادي في العالم، لا ترغب في ان تنسحب اميركا من الشؤون الدولية. على سبيل المثال، فان 93% من المستطلعين في كوريا الجنوبية، و78% في فرنسا، و71% في المكسيك قالوا في السنة الماضية ان على الولايات المتحدة ان تتخذ دورا في في حل المشكلات الدولية. بالاضافة الى ذلك فانه على الرغم من الانطباع السلبي عن الولايات المتحدة عموما، فان معظم الاشخاص الذين شملهم المسح يعتقدون ان العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وبلدانهم هي في تحسن. لم يرد في اي بلد تم اجراء المسح فيه ان الناس يتعقدون بتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة.
وبالمثل فان الاميركيين راغبون في ان تكون الولايات المتحدة اكثر احتراما في الخارج. يقول تسع وستون بالمائة من الاميركيين انهم يعتقدون ان من الافضل للولايات المتحدة ان يكون لها دور في الشؤون الدولية. كما ان احد اعضاء الادارة الاميركيين البارزين دعى الى تبني اتجاها جديدا في تفكير الولايات المتحدة تجاه العالم. وقد قال: "النجاح سوف يكون اقل اهمية عند فرض الادراة الذاتية، وهو اكثر فائدة عند تشكيل سلوك الاصدقاء، والدعاة، والاكثر اهمية الناس بينهما... نحن بحاجة الى زيادة ملحمية في الانفاق على الوسائل المدنية التي تخدم الامن الوطني مثل الدبلوماسية، والاتصالات الستراتيجية، والمساعدات الخارجية، والنشاط المدني، واعادة الاعمار والتطوير الاقتصادي". ان هذا الاميركي الذي يناشد بشدة من اجل مغادرة الادارة للسياسة الخارجية القائمة على العسكرة ليس الا وزير الدفاع روبرت غيتس.
ان الطلب على نوعية جديدة من القيادة الاميركية للعالم لازال موجودا. وبشكل متزايد، فان العرض للايفاء بهذا الطلب سوف يكون موجودا ايضا.