Wednesday, December 05, 2007

واحة ام سراب؟

بقلم: توماس فريدمان، عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة

يختبر الشرق الاوسط امرا لم نره منذ مدة طويلة جدا: المعتدلون ينسقون نشاطهم قليلا معا، ويتخذون مواقف مترددة، ويدفعون بالاشرار الى الوراء. اذا كان ذلك يبدو نوعا ما، بطريقة ما، ربما، مُرضيا، حسنا... انه كذلك. ولكن في المنطقة التي يسيطر عليها المتطرفون بينما ينأى المعتدلون بانفسهم، فان هذه هي اول الاخبار السارة منذ سنوات. انها واحة في صحراء اليأس.
المشكلة الوحيدة تكمن في ان هذه الخطة المبدئية للمعتدلين –والتي تلقى دفعا مفيدا هنا في تجمع انابوليس للسلام– قد انقادت بشكل رئيس الى عامل الخوف، وليس الى أية رؤية مشتركة الى منطقة يتمكن فيها السنة والشيعة، العرب واليهود، من التجارة والتبادل والتعاون وايجاد التسويات بالطريقة التي تعلمتها بلدان جنوب شرق اسيا لاجل منفعتها المتبادلة.
ولحد الان، يقول هشام ملحم مدير مكتب قناة العربية في واشنطن: "هذا هو سلام الخائفين". الخوف قد يكون عنصرا محفزا. لقد دفع الخوف من تسطير القاعدة على حياة العشائر السنية في العراق، دفعهم الى النهوض ضد السنة المناصرين للقاعدة، حتى اذا اقتضى الامر ان يصطفوا مع الامريكان. الخوف من العصابات المدعومة من ايران المتلبسة بلبوس جيش المهدي قد دعا عددا اكبر من الشيعة في العراق الى الوقوف مع القوات والحكومة العراقية الموالية لامريكا. الخوف من استيلاء حماس على مقاليد الامور دفع فتح الى بناء علاقات اقوى مع اسرائيل. والخوف من انتشار النفوذ الايراني قد حمل جميع الدول العربية –خصوصا المملكة العربية السعودية ومصر والاردن– ان تتعاون بشكل اوثق مع امريكا وان تبني علاقات غير معلنة مع اسرائيل. الخوف من انهيار فتح وان ترث اسرائل المسؤولية عن الفلسطينين في الضفة الغربية الى الابد قد اعاد اسرائل مجددا الى طاولة مفاوضات واشنطن. حتى سوريا جلبها الخوف من العزلة الى هذا المكان.
لكن الخوف من المفترسين يمكنه فقط ان يبلغ بك هذا المبلغ. ولاجل بناء سلام طويل الامد، يتوجب ان تكون الاجندة مشتركة، وان يعقد المعتدلون نواياهم على العمل سويا لمساندة بعضهم البعض وان يساعد كل منهم الاخر في ان يضرب المتطرفين في كل معسكر. يتطلب ذلك امرا غاب بشكل مؤلم منذ رحيل انور السادات واسحق رابين والملك حسين: الشجاعة المعنوية بعينها للقيام بشيء "مفاجيء".
منذ العام 2000 كان الناس الوحيدون الذين فاجأونا هم الاشخاص الاشرار. لقد فاجأونا كل اسبوع بمكان جديد وطريقة جديدة في قتل الناس. وعلى النقيض من ذلك، غاب عنصر المفاجأة لدى المعتدلين، حتى تولـّت القبائل السنية في العراق قتال القاعدة. ان ما اتطلع اليه في الاشهر القادمة هو ما اذا كان بامكان المعتدلين ان يفاجأوا بعضهم بعضا وان يفاجأوا المتطرفين.
اعلن وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل، قبل ان يصل الى انابوليس، انه لن تكون هناك مصافحة بالايدي مع اي اسرائيلي. امر سيء للغاية. ان مصافحة بالايدي لن تحمل اسرائيل على تسليم الضفة الغربية. لكن التفاتة انسانية مفاجئة، مثل مصافحة بسيطة من قائد سعودي الى قائد اسرائيلي، يمكن لها في الواقع ان تقطع شوطا بعيدا في اقناع الاسرائيلين ان هناك شيئا جديدا هنا، شيئا لا يكون ناتجا فقط عن خوف العرب من ايران، لكنهم حقيقة راغبون في التعايش مع اسرائيل. الامر ذاته ينطبق على اسرائيل. لماذا لا تفاجيء الفلسطينين ببادرة كريمة في اطلاق الاسرى او رفع حواجز الطرق؟ هل أجدت الطريقة المتهورة القديمة نفعا؟
لقد عانت عملية السلام الفلسطينية–الاسرائيلية كثيرا من غياب المحتوى العاطفي منذ اغتيال رابين، بحيث لم يعد لها ارتباط مع الناس العاديين. انها مجرد كلمات، الفاظ غير مفهومة عن "خارطة الطريق". السعوديون خبراء في اخبار امريكا انها يجب ان تكون اكثر جدية. هل ان سؤال السعوديين ان يجعلوا عملنا ايسر قليلا، عن طريق مصافحة قائد اسرائيلي، سيكون طلبا كبيرا؟
المفاجأة الاخرى التي تمسّ الحاجة الى ان نراها تتمثل في ان يتولى المعتدلون زمام الامور. اذا لم يكن هؤلاء المعتدلين مستعدين بالمخاطرة في انتحار سياسي لتحقيق اهدافهم فلن يستنى لهم ابدا ان يهزموا المتطرفين الذين هم على اتم الاستعداد لانتحار جسدي.
ان سبب تشكيل السيد رابين والسيد السادات تهديدا للمتطرفين يكمن في كونهم معتدلين راغبين في قطع الطريق الى اخره، لقد كانوا ذرية نادرة. ادرك تماما انه ليس من قائد اليوم راغب في مدّ عنقه خارجا. لديهم اسباب تبرر خوفهم، ولكن ليس لديهم اسباب تجعلهم يعتقدون انهم قادرون على صنع التاريخ باية طريقة اخرى.
لقد قال الرئيس بوش، في افتتاح مؤتمر انابوليس، ان هذه ليست نهاية لشيء ما، ولكنها بداية جديدة لمفاوضات اسرائيلية–فلسطينية. لن تحتاج الى خبير في الشرق الاوسط ليوضح لك ما اذا كانت سوف تنجح. اذا قرأت عناوين الصحف في الاشهر القادمة فحسب، بحيث تتشوش عينيك، فستعلم، كما اوضح لي الصحفي الاسرائيلي ناحوم بارنيا، ان انابوليس قد اعطت مفتاح القدح الى "سيارة لها اربع عجلات معطوبة".
ولكن اذا التقطت الصحيفة ورأيت المعتدلين العرب والاسرائيلين يقومون بافعال مفاجئة، وتسمع نفسك تصرخ متعجبا: "يا للهول، لم ارَ مثل هذا من قبل"، فسوف تعلم اننا سائرون الى نتيجة ما.