عن: لوس انجلس تايمز
ترجمة: علاء غزالة
من الذي اعطى الضوء الاخضر الى عمليات الاستجواب (المحسنة)؟ لقد فعلنا ذلك جميعا. فمن فعلها اذا؟
في اواخر عام 2005، قامت وكالة الاستخبارات المركزية CIA باتلاف اشرطة فيديو تظهر المئات من ساعات الاستجواب لاثنين من كبار مشتبهي القاعدة، بينما كانت تـُلمح باستمرار الى لجنة 11/ 9 والمحاكم بعدم وجود اية اشرطة للتحقيقات البتة.
ماذا كانت تحمل هذه الاشرطة مما يجعل مسؤولي وكالة الاستخبارات متحمسين جدا لاتلافها، بدلا من مجرد بيعها الى منتجي مسلسل "24" والتقاعد بصورة مريحة؟ ومن رخـّص، او علم بهذا الاتلاف؟ يصرُّ مقررنا القومي، من خلال المتحدثة الرسمية للبيت الابيض، دانا بيرينو، انه لم يـُقرر اي شيء بهذا الخصوص، لانه "لا يتذكر انه أُحيط علما بوجود الاشرطة، فضلا عن تدميرها". وهذا يتناقض مع مستشارة البيت الابيض السابقة، هارييت ميرز، والتي يبدو انها علمت بشأن الاشرطة، ولكن لم تكلف نفسها ان تطلع رئيسها على الانباء.
تؤكد مصادر غير مُعرّفة في الادارة، برغم ذلك، ان ميرز اوصت وكالة الاستخبارات بالاحتفاظ بالاشرطة. (ليس من الصعب تخيل كلماتها: "يا الهي، لو حدث واختفت اشرطة التحقيق هذه او ضاعت، فمن المؤكد انه سيكون من الصعب على اي احد ان يقدم جرائم الحرب والتعذيب في المستقبل الى المحاكمة ضد اي شخص في هذه الادارة. لذلك آمل ان تولي الـCIA عناية جيدة جدا لهذه الاشرطة").
بينما يقول مصدر غير مُعرّف في الـ CIA، وهو مسؤول سابق في هذه الوكالة، ان البيت الابيض لم يأمر ابدا بعدم اتلاف هذه الاشرطة، على الاقل لم يقل احدٌ كلماتٍ كثيرةً: "لم يقولوا لنا: قطعا كلا"، حسبما اوردت النيويورك تايمز. كما يقول المسؤولون الحاليون والسابقون في الـCIA ان قنصلها العام بالوكالة، جون ريزو، كان مشتركا في جميع النقاشات حول الاشرطة. في هذه الاثناء، لايزال مسؤول مجهول الهوية مُصرا على ان ريزو لم يُحَط علما وانه كان "غاضبا" بشأن اتلاف الاشرطة.
حينما جاء وقت اقرار الميزانية، ذكـّر مدير الوكالة الحالي، مايكل هايدن، الكونغرس بانه لم يكن حتى في الوكالة عام 2005، ولذلك لم يكن لديه علم من اعطى الاوامر بتدمير الاشرطة، ولذلك فمن الطبيعي انه سيتحرى عن الامر.
وكما اخبر الرئيس شبكة ABC الاخبارية: "سيكون مثيرا ان نعرف ما هي الوقائع الحقيقية". حقا! ولكن السؤال عمن أمر باتلاف الاشرطة يفتقر الى الهدف من عدة نواح. من المحتمل ان لا تكون الاجابة عن هذا السؤال على قدر كبير من الصعوبة. التحقيقات التي يجريها الكونغرس جيدة بما فيه الكفاية بهذا الشأن. ربما يمكن لنا ان نرى محاكمات كنتيجة لهذا الفعل، لان الاشرطة كانت، على الارجح، ادلة مهمة للغاية في المحاكمات الجنائية والاجراءات القانونية الاخرى. ان هؤلاء الذين يرومون الاطاحة بالرؤوس من اجل ذلك فمن المحتمل ان يحصلوا على مبتغاهم.
ولكن، وان يكن؟ في هذه الحالة، كما يذكـّرنا كاتب اليوميات والاستاذ بجامعة جورج تاون، مارتي ليدرمان: "التغطية عن الجريمة ليست اسوأ من الجريمة، وهم يعرفونها. لابد ان تلك الاشرطة قد اظهرت دلائل رهيبة عن عمل جنائي خطير." طريقة الاغراق بالماء؟ بالتأكيد، حسبما اوردت تقارير صحفية والمسؤول السابق في وكالة الاستخبارت الامريكية، جون كيرياكو. ان الطرق "المحسنة" الاخرى في الاستجواب تبدو بالنسبة للعين غير المحسنة تعذيبا واضحا لا يقبل التمييز. انه رهان جيد نوعا ما. اذا كان لي ان اخمن، فان الاشرطة قد اتلفت بسبب ان تهم اعاقة العدالة لا تمثل شيئا يذكر في مواجهة تهم جرائم الحرب.
بعد ان نعثر على من اصدر الاوامر باتلاف الاشرطة، فسوف يبقى السؤال الحقيقي عمن فعلها: من اعطى وكالة الاستخبارات الضوء الاخضر لاستعمال طرق الاستجواب التي كانت الوكالة تشتبه بانها بالتأكيد جنائية؟ من الذي قرر السماح للولايات المتحدة بتبني طرق استجواب يستعملها المئات من الطغاة قليلي الشأن؟
الاجابة عن هذا التساؤل سوف يكون غير مريح على الاطلاق. سوف يكون من الافضل القاء اللوم على كبش فداء (أها! لقد كان ديك تشيني وراء ذلك!) ولكن الحقيقة غير السارة ان اللوم يقع على شريحة عريضة نوعا ما.
اذن، من فعلها حق؟
انه تشيني والاقزام الاشرار الصغار من موظفيه، والمـُقرر الذي اعطى الموافقة، والذي علم هو الاخر ولم يبد اهتماما، او لم يبد اهتماما بان يعلم. كذلك، قيادة الـCIA وجميع موظفي العمليات والذي كانوا راغبين في تجربة قائمة طويلة من الوسائل غير المشروعة، والتي جلبوها من اعدائنا، لاختصار الطريق. واللوم يقع على المحافظين الاختصاصيين الذين تحمسوا لطرق الاستجواب المحسنة. ويجب ان لا ننسى قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس الذين اعطوا الادارة دفترا كاملا من الموافقات على بياض.
بيد اننا نحتفظ ببعض اللوم على رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، والتي لم تصدر عنها كلمة واحدة للتعبير عن الصدمة عندما أوجزت عام 2002 حول طرق الاستجواب المحسنة، والتي تضمنت الاغراق بالماء. والامر ذاته ينطبق على بضعة ديمقراطيين في الكونغرس، والذي اعتقدوا ان تجاهل وتجاوز جرائم الادارة كان شكلا مشروعا من رقابة الكونغرس. كما ان علينا، كمجموع، ان نلوم انفسنا ايضا. فبعد كل شيئ، نحن الامة التي جعلت مسلسل "24" التلفزيوني عملا ناجحا جدا.
كيف يمكن لنظام ديمقراطي ان يتبنى سياسة تعذيب المعتقلين؟ لاعادة صياغة مقولة هيلاري كلينتون، انها تتطلب قرية.
Thursday, December 27, 2007
Wednesday, December 12, 2007
ساعدوني في التجسس على القاعدة
بقلم: مايك مكونيل، مدير الاستخبارات الوطنية
عن النيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
لقد حقق قانون حماية اميركا، الذي أقر في شهر آب، اسمه وغايته: جعل البلاد اكثر امنا بينما تحمى الحقوق المدنية للاميركيين. وقد اصبحت لدينا اليوم، تحت هذا القانون، القدرة على التحرك بالسرعة الضرورية لاستكشاف الارهابيين، وتحديات الامن الوطني الناشئة الاخرى. ساعدتنا المعلومات المستحصلة من خلال هذا القانون في تطوير فهم اكبر لشبكات القاعدة الدولية، كما اتاح لنا القانون الحصول على استبصار كبير داخل مخططات الارهابيين.
هناك حاجة ان يقوم الكونغرس باتخاذ قرار مجددا. سوف تنفد مدة سريان قانون حماية اميركا خلال شهرين، في الاول من شباط بالتحديد. يجب ان تتوفر لنا القدرة الفعالة في الحصول على المعلومات والتي تجمع من خلال هذا القانون اذا اردنا ان نبقى متقدمين على الارهابيين الذين عقدوا العزم على مهاجمة الولايات المتحدة.
قبل ان يُمرر قانون حماية اميركا كان علينا في بعض الاحيان العمل تحت قانون مراقبة الاستخبارات الاجنبية لغرض مراقبة الاتصالات التي تجريها اهداف استخبارية اجنبية خارج الولايات المتحدة، والمعروف اختصارا FISA، وهو قانون لم يكن متوافقا مع التغييرات التكنولوجية. في عدد لا بأس به من هذه الحالات تطلب قانون FISA الحصول على امر قضائي. مثل هذا المطلب ابطأ –وفي بعض الاحيان منع- من قدرتنا على جمع استخبارات اجنبية فورية.
وكان خبراؤنا مشتتين بين متابعة التهديدات الاجنبية وكتابة تبريرات مطولة لغرض جمع معلومات عن شخص في بلد اجنبي، فقط لارضاء متطلبات قانون قديم لا يعكس الطرق التي يتواصل بها اندادنا. لقد تم استخدام الاجراءات القانونية، التي قصدت حماية الخصوصية والحريات المدنية للاميركيين، تم استخدامها –عوضا عن ذلك– لاهداف استخبارية خارجية. لم يكن لذلك معنى، وجاء قانون حماية اميركا لينهي المشكلة.
يجب البدء بقانون جديد يكون موافقا للمباديء التي تجعل من قانون حماية اميركا ناجحا. اولا، يحتاج العاملون في مجال الاستخبارات قانونا لا يتطلب امرا قضائيا لعمليات المراقبة الموجهة ضد اهداف استخبارية خارجية والتي يعتقد بشكل معقول انهم يعملون خارج الولايات المتحدة، بغض النظر عن اين اجريت الاتصالات. يجب ان تأخذ اجهزة الاستخبارات وقتها في حماية امتنا، وليس لتوفير حماية لخصوصية الارهابيين الاجانب وتهديدهم المتفشي في ارجاء العالم.
ثانيا، تحتاج الاجهزة الاستخبارية الى وسائل فعالة للحصول على امر قضائي تحت قانون FISA لاجراء المراقبة في الولايات المتحدة لاغراض الاستخبارات الخارجية.
اخيرا، انه في غاية الاهمية لاجهزة الاستخبارات ان تكون لها القدرة على توفير الحماية القانونية للاطراف الخاصة والتي تعرضت للمحاكمة فقط بسبب الاعتقاد بانهم ساعدونا اثناء هجمات 11 ايلول 2001. على الرغم من ان قانون حماية اميركا وفر مثل هذه الحماية الضرورية لهؤلاء الذين انصاعوا للمتطلبات بعد سريانه، الا انه لم يتضمن حماية لهؤلاء الذين انصاعوا قبل ذلك.
لايمكن للاجهزة الاستخبارية العمل بشكل منفرد. يستحق الذين وقفوا الى جانبنا في وقت الطواريء من القطاع الخاص، يستحقون الشكر وليس المقاضاة. وانا اتفق مع رؤية لجنة الكونغرس للاستخبارات والتي توصلت، بعد سنة من الدراسة، الى انه "بدون تلك الحصانة الممتدة تاريخيا فقد يعزف القطاع الخاص عن التعاون مع الطلبات الحكومية القانونية في المستقبل" وحذر بان "التخفيض المحتمل في الاستخبارات والناتج عن هذا التأخير هو ببساطة غير مقبول من ناحية امن امتنا".
يقترب وقت قانون حماية اميركا من النفاد، ولكن لا تزال هناك فرصة لاستصدار قانون دائم من شأنه ان يساعدنا على مواجهة كلا من التغييرات التكنولوجية والاعداء الذين نواجه بطريقة تصون الحريات المدنية.
لقد خدمت قرابة 30 عاما كضابط استخبارات قبل ان امضي وقتا في القطاع الخاص. وحينا عدت الى العمل الحكومي في الشتاء الماضي، اصبح واضحا لدي ان قابلية استخباراتنا الخارجية على جمع المعلومات قد اضمحلت. وقد ساءني ان اكتشف انه لم يتم تحديث قانون FISA ليعكس التكنولوجيا الجديدة وانه كان يمنعنا من جمع المعلومات الاستخبارية الضرورية لكشف التهدديات ضد اميركا.
لقد اصلح قانون حماية اميركا هذا المشكلة، ونحن اكثر امنا بسببه. يساورني همّ قاتل اننا اذا تراجعنا خطوة الى الوراء في هذا العالم من اللايقين، فسوف تكون اميركا مكانا اقل امنا.
عن النيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
لقد حقق قانون حماية اميركا، الذي أقر في شهر آب، اسمه وغايته: جعل البلاد اكثر امنا بينما تحمى الحقوق المدنية للاميركيين. وقد اصبحت لدينا اليوم، تحت هذا القانون، القدرة على التحرك بالسرعة الضرورية لاستكشاف الارهابيين، وتحديات الامن الوطني الناشئة الاخرى. ساعدتنا المعلومات المستحصلة من خلال هذا القانون في تطوير فهم اكبر لشبكات القاعدة الدولية، كما اتاح لنا القانون الحصول على استبصار كبير داخل مخططات الارهابيين.
هناك حاجة ان يقوم الكونغرس باتخاذ قرار مجددا. سوف تنفد مدة سريان قانون حماية اميركا خلال شهرين، في الاول من شباط بالتحديد. يجب ان تتوفر لنا القدرة الفعالة في الحصول على المعلومات والتي تجمع من خلال هذا القانون اذا اردنا ان نبقى متقدمين على الارهابيين الذين عقدوا العزم على مهاجمة الولايات المتحدة.
قبل ان يُمرر قانون حماية اميركا كان علينا في بعض الاحيان العمل تحت قانون مراقبة الاستخبارات الاجنبية لغرض مراقبة الاتصالات التي تجريها اهداف استخبارية اجنبية خارج الولايات المتحدة، والمعروف اختصارا FISA، وهو قانون لم يكن متوافقا مع التغييرات التكنولوجية. في عدد لا بأس به من هذه الحالات تطلب قانون FISA الحصول على امر قضائي. مثل هذا المطلب ابطأ –وفي بعض الاحيان منع- من قدرتنا على جمع استخبارات اجنبية فورية.
وكان خبراؤنا مشتتين بين متابعة التهديدات الاجنبية وكتابة تبريرات مطولة لغرض جمع معلومات عن شخص في بلد اجنبي، فقط لارضاء متطلبات قانون قديم لا يعكس الطرق التي يتواصل بها اندادنا. لقد تم استخدام الاجراءات القانونية، التي قصدت حماية الخصوصية والحريات المدنية للاميركيين، تم استخدامها –عوضا عن ذلك– لاهداف استخبارية خارجية. لم يكن لذلك معنى، وجاء قانون حماية اميركا لينهي المشكلة.
يجب البدء بقانون جديد يكون موافقا للمباديء التي تجعل من قانون حماية اميركا ناجحا. اولا، يحتاج العاملون في مجال الاستخبارات قانونا لا يتطلب امرا قضائيا لعمليات المراقبة الموجهة ضد اهداف استخبارية خارجية والتي يعتقد بشكل معقول انهم يعملون خارج الولايات المتحدة، بغض النظر عن اين اجريت الاتصالات. يجب ان تأخذ اجهزة الاستخبارات وقتها في حماية امتنا، وليس لتوفير حماية لخصوصية الارهابيين الاجانب وتهديدهم المتفشي في ارجاء العالم.
ثانيا، تحتاج الاجهزة الاستخبارية الى وسائل فعالة للحصول على امر قضائي تحت قانون FISA لاجراء المراقبة في الولايات المتحدة لاغراض الاستخبارات الخارجية.
اخيرا، انه في غاية الاهمية لاجهزة الاستخبارات ان تكون لها القدرة على توفير الحماية القانونية للاطراف الخاصة والتي تعرضت للمحاكمة فقط بسبب الاعتقاد بانهم ساعدونا اثناء هجمات 11 ايلول 2001. على الرغم من ان قانون حماية اميركا وفر مثل هذه الحماية الضرورية لهؤلاء الذين انصاعوا للمتطلبات بعد سريانه، الا انه لم يتضمن حماية لهؤلاء الذين انصاعوا قبل ذلك.
لايمكن للاجهزة الاستخبارية العمل بشكل منفرد. يستحق الذين وقفوا الى جانبنا في وقت الطواريء من القطاع الخاص، يستحقون الشكر وليس المقاضاة. وانا اتفق مع رؤية لجنة الكونغرس للاستخبارات والتي توصلت، بعد سنة من الدراسة، الى انه "بدون تلك الحصانة الممتدة تاريخيا فقد يعزف القطاع الخاص عن التعاون مع الطلبات الحكومية القانونية في المستقبل" وحذر بان "التخفيض المحتمل في الاستخبارات والناتج عن هذا التأخير هو ببساطة غير مقبول من ناحية امن امتنا".
يقترب وقت قانون حماية اميركا من النفاد، ولكن لا تزال هناك فرصة لاستصدار قانون دائم من شأنه ان يساعدنا على مواجهة كلا من التغييرات التكنولوجية والاعداء الذين نواجه بطريقة تصون الحريات المدنية.
لقد خدمت قرابة 30 عاما كضابط استخبارات قبل ان امضي وقتا في القطاع الخاص. وحينا عدت الى العمل الحكومي في الشتاء الماضي، اصبح واضحا لدي ان قابلية استخباراتنا الخارجية على جمع المعلومات قد اضمحلت. وقد ساءني ان اكتشف انه لم يتم تحديث قانون FISA ليعكس التكنولوجيا الجديدة وانه كان يمنعنا من جمع المعلومات الاستخبارية الضرورية لكشف التهدديات ضد اميركا.
لقد اصلح قانون حماية اميركا هذا المشكلة، ونحن اكثر امنا بسببه. يساورني همّ قاتل اننا اذا تراجعنا خطوة الى الوراء في هذا العالم من اللايقين، فسوف تكون اميركا مكانا اقل امنا.
Wednesday, December 05, 2007
واحة ام سراب؟
بقلم: توماس فريدمان، عن: نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة
يختبر الشرق الاوسط امرا لم نره منذ مدة طويلة جدا: المعتدلون ينسقون نشاطهم قليلا معا، ويتخذون مواقف مترددة، ويدفعون بالاشرار الى الوراء. اذا كان ذلك يبدو نوعا ما، بطريقة ما، ربما، مُرضيا، حسنا... انه كذلك. ولكن في المنطقة التي يسيطر عليها المتطرفون بينما ينأى المعتدلون بانفسهم، فان هذه هي اول الاخبار السارة منذ سنوات. انها واحة في صحراء اليأس.
المشكلة الوحيدة تكمن في ان هذه الخطة المبدئية للمعتدلين –والتي تلقى دفعا مفيدا هنا في تجمع انابوليس للسلام– قد انقادت بشكل رئيس الى عامل الخوف، وليس الى أية رؤية مشتركة الى منطقة يتمكن فيها السنة والشيعة، العرب واليهود، من التجارة والتبادل والتعاون وايجاد التسويات بالطريقة التي تعلمتها بلدان جنوب شرق اسيا لاجل منفعتها المتبادلة.
ولحد الان، يقول هشام ملحم مدير مكتب قناة العربية في واشنطن: "هذا هو سلام الخائفين". الخوف قد يكون عنصرا محفزا. لقد دفع الخوف من تسطير القاعدة على حياة العشائر السنية في العراق، دفعهم الى النهوض ضد السنة المناصرين للقاعدة، حتى اذا اقتضى الامر ان يصطفوا مع الامريكان. الخوف من العصابات المدعومة من ايران المتلبسة بلبوس جيش المهدي قد دعا عددا اكبر من الشيعة في العراق الى الوقوف مع القوات والحكومة العراقية الموالية لامريكا. الخوف من استيلاء حماس على مقاليد الامور دفع فتح الى بناء علاقات اقوى مع اسرائيل. والخوف من انتشار النفوذ الايراني قد حمل جميع الدول العربية –خصوصا المملكة العربية السعودية ومصر والاردن– ان تتعاون بشكل اوثق مع امريكا وان تبني علاقات غير معلنة مع اسرائيل. الخوف من انهيار فتح وان ترث اسرائل المسؤولية عن الفلسطينين في الضفة الغربية الى الابد قد اعاد اسرائل مجددا الى طاولة مفاوضات واشنطن. حتى سوريا جلبها الخوف من العزلة الى هذا المكان.
لكن الخوف من المفترسين يمكنه فقط ان يبلغ بك هذا المبلغ. ولاجل بناء سلام طويل الامد، يتوجب ان تكون الاجندة مشتركة، وان يعقد المعتدلون نواياهم على العمل سويا لمساندة بعضهم البعض وان يساعد كل منهم الاخر في ان يضرب المتطرفين في كل معسكر. يتطلب ذلك امرا غاب بشكل مؤلم منذ رحيل انور السادات واسحق رابين والملك حسين: الشجاعة المعنوية بعينها للقيام بشيء "مفاجيء".
منذ العام 2000 كان الناس الوحيدون الذين فاجأونا هم الاشخاص الاشرار. لقد فاجأونا كل اسبوع بمكان جديد وطريقة جديدة في قتل الناس. وعلى النقيض من ذلك، غاب عنصر المفاجأة لدى المعتدلين، حتى تولـّت القبائل السنية في العراق قتال القاعدة. ان ما اتطلع اليه في الاشهر القادمة هو ما اذا كان بامكان المعتدلين ان يفاجأوا بعضهم بعضا وان يفاجأوا المتطرفين.
اعلن وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل، قبل ان يصل الى انابوليس، انه لن تكون هناك مصافحة بالايدي مع اي اسرائيلي. امر سيء للغاية. ان مصافحة بالايدي لن تحمل اسرائيل على تسليم الضفة الغربية. لكن التفاتة انسانية مفاجئة، مثل مصافحة بسيطة من قائد سعودي الى قائد اسرائيلي، يمكن لها في الواقع ان تقطع شوطا بعيدا في اقناع الاسرائيلين ان هناك شيئا جديدا هنا، شيئا لا يكون ناتجا فقط عن خوف العرب من ايران، لكنهم حقيقة راغبون في التعايش مع اسرائيل. الامر ذاته ينطبق على اسرائيل. لماذا لا تفاجيء الفلسطينين ببادرة كريمة في اطلاق الاسرى او رفع حواجز الطرق؟ هل أجدت الطريقة المتهورة القديمة نفعا؟
لقد عانت عملية السلام الفلسطينية–الاسرائيلية كثيرا من غياب المحتوى العاطفي منذ اغتيال رابين، بحيث لم يعد لها ارتباط مع الناس العاديين. انها مجرد كلمات، الفاظ غير مفهومة عن "خارطة الطريق". السعوديون خبراء في اخبار امريكا انها يجب ان تكون اكثر جدية. هل ان سؤال السعوديين ان يجعلوا عملنا ايسر قليلا، عن طريق مصافحة قائد اسرائيلي، سيكون طلبا كبيرا؟
المفاجأة الاخرى التي تمسّ الحاجة الى ان نراها تتمثل في ان يتولى المعتدلون زمام الامور. اذا لم يكن هؤلاء المعتدلين مستعدين بالمخاطرة في انتحار سياسي لتحقيق اهدافهم فلن يستنى لهم ابدا ان يهزموا المتطرفين الذين هم على اتم الاستعداد لانتحار جسدي.
ان سبب تشكيل السيد رابين والسيد السادات تهديدا للمتطرفين يكمن في كونهم معتدلين راغبين في قطع الطريق الى اخره، لقد كانوا ذرية نادرة. ادرك تماما انه ليس من قائد اليوم راغب في مدّ عنقه خارجا. لديهم اسباب تبرر خوفهم، ولكن ليس لديهم اسباب تجعلهم يعتقدون انهم قادرون على صنع التاريخ باية طريقة اخرى.
لقد قال الرئيس بوش، في افتتاح مؤتمر انابوليس، ان هذه ليست نهاية لشيء ما، ولكنها بداية جديدة لمفاوضات اسرائيلية–فلسطينية. لن تحتاج الى خبير في الشرق الاوسط ليوضح لك ما اذا كانت سوف تنجح. اذا قرأت عناوين الصحف في الاشهر القادمة فحسب، بحيث تتشوش عينيك، فستعلم، كما اوضح لي الصحفي الاسرائيلي ناحوم بارنيا، ان انابوليس قد اعطت مفتاح القدح الى "سيارة لها اربع عجلات معطوبة".
ولكن اذا التقطت الصحيفة ورأيت المعتدلين العرب والاسرائيلين يقومون بافعال مفاجئة، وتسمع نفسك تصرخ متعجبا: "يا للهول، لم ارَ مثل هذا من قبل"، فسوف تعلم اننا سائرون الى نتيجة ما.
ترجمة: علاء غزالة
يختبر الشرق الاوسط امرا لم نره منذ مدة طويلة جدا: المعتدلون ينسقون نشاطهم قليلا معا، ويتخذون مواقف مترددة، ويدفعون بالاشرار الى الوراء. اذا كان ذلك يبدو نوعا ما، بطريقة ما، ربما، مُرضيا، حسنا... انه كذلك. ولكن في المنطقة التي يسيطر عليها المتطرفون بينما ينأى المعتدلون بانفسهم، فان هذه هي اول الاخبار السارة منذ سنوات. انها واحة في صحراء اليأس.
المشكلة الوحيدة تكمن في ان هذه الخطة المبدئية للمعتدلين –والتي تلقى دفعا مفيدا هنا في تجمع انابوليس للسلام– قد انقادت بشكل رئيس الى عامل الخوف، وليس الى أية رؤية مشتركة الى منطقة يتمكن فيها السنة والشيعة، العرب واليهود، من التجارة والتبادل والتعاون وايجاد التسويات بالطريقة التي تعلمتها بلدان جنوب شرق اسيا لاجل منفعتها المتبادلة.
ولحد الان، يقول هشام ملحم مدير مكتب قناة العربية في واشنطن: "هذا هو سلام الخائفين". الخوف قد يكون عنصرا محفزا. لقد دفع الخوف من تسطير القاعدة على حياة العشائر السنية في العراق، دفعهم الى النهوض ضد السنة المناصرين للقاعدة، حتى اذا اقتضى الامر ان يصطفوا مع الامريكان. الخوف من العصابات المدعومة من ايران المتلبسة بلبوس جيش المهدي قد دعا عددا اكبر من الشيعة في العراق الى الوقوف مع القوات والحكومة العراقية الموالية لامريكا. الخوف من استيلاء حماس على مقاليد الامور دفع فتح الى بناء علاقات اقوى مع اسرائيل. والخوف من انتشار النفوذ الايراني قد حمل جميع الدول العربية –خصوصا المملكة العربية السعودية ومصر والاردن– ان تتعاون بشكل اوثق مع امريكا وان تبني علاقات غير معلنة مع اسرائيل. الخوف من انهيار فتح وان ترث اسرائل المسؤولية عن الفلسطينين في الضفة الغربية الى الابد قد اعاد اسرائل مجددا الى طاولة مفاوضات واشنطن. حتى سوريا جلبها الخوف من العزلة الى هذا المكان.
لكن الخوف من المفترسين يمكنه فقط ان يبلغ بك هذا المبلغ. ولاجل بناء سلام طويل الامد، يتوجب ان تكون الاجندة مشتركة، وان يعقد المعتدلون نواياهم على العمل سويا لمساندة بعضهم البعض وان يساعد كل منهم الاخر في ان يضرب المتطرفين في كل معسكر. يتطلب ذلك امرا غاب بشكل مؤلم منذ رحيل انور السادات واسحق رابين والملك حسين: الشجاعة المعنوية بعينها للقيام بشيء "مفاجيء".
منذ العام 2000 كان الناس الوحيدون الذين فاجأونا هم الاشخاص الاشرار. لقد فاجأونا كل اسبوع بمكان جديد وطريقة جديدة في قتل الناس. وعلى النقيض من ذلك، غاب عنصر المفاجأة لدى المعتدلين، حتى تولـّت القبائل السنية في العراق قتال القاعدة. ان ما اتطلع اليه في الاشهر القادمة هو ما اذا كان بامكان المعتدلين ان يفاجأوا بعضهم بعضا وان يفاجأوا المتطرفين.
اعلن وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل، قبل ان يصل الى انابوليس، انه لن تكون هناك مصافحة بالايدي مع اي اسرائيلي. امر سيء للغاية. ان مصافحة بالايدي لن تحمل اسرائيل على تسليم الضفة الغربية. لكن التفاتة انسانية مفاجئة، مثل مصافحة بسيطة من قائد سعودي الى قائد اسرائيلي، يمكن لها في الواقع ان تقطع شوطا بعيدا في اقناع الاسرائيلين ان هناك شيئا جديدا هنا، شيئا لا يكون ناتجا فقط عن خوف العرب من ايران، لكنهم حقيقة راغبون في التعايش مع اسرائيل. الامر ذاته ينطبق على اسرائيل. لماذا لا تفاجيء الفلسطينين ببادرة كريمة في اطلاق الاسرى او رفع حواجز الطرق؟ هل أجدت الطريقة المتهورة القديمة نفعا؟
لقد عانت عملية السلام الفلسطينية–الاسرائيلية كثيرا من غياب المحتوى العاطفي منذ اغتيال رابين، بحيث لم يعد لها ارتباط مع الناس العاديين. انها مجرد كلمات، الفاظ غير مفهومة عن "خارطة الطريق". السعوديون خبراء في اخبار امريكا انها يجب ان تكون اكثر جدية. هل ان سؤال السعوديين ان يجعلوا عملنا ايسر قليلا، عن طريق مصافحة قائد اسرائيلي، سيكون طلبا كبيرا؟
المفاجأة الاخرى التي تمسّ الحاجة الى ان نراها تتمثل في ان يتولى المعتدلون زمام الامور. اذا لم يكن هؤلاء المعتدلين مستعدين بالمخاطرة في انتحار سياسي لتحقيق اهدافهم فلن يستنى لهم ابدا ان يهزموا المتطرفين الذين هم على اتم الاستعداد لانتحار جسدي.
ان سبب تشكيل السيد رابين والسيد السادات تهديدا للمتطرفين يكمن في كونهم معتدلين راغبين في قطع الطريق الى اخره، لقد كانوا ذرية نادرة. ادرك تماما انه ليس من قائد اليوم راغب في مدّ عنقه خارجا. لديهم اسباب تبرر خوفهم، ولكن ليس لديهم اسباب تجعلهم يعتقدون انهم قادرون على صنع التاريخ باية طريقة اخرى.
لقد قال الرئيس بوش، في افتتاح مؤتمر انابوليس، ان هذه ليست نهاية لشيء ما، ولكنها بداية جديدة لمفاوضات اسرائيلية–فلسطينية. لن تحتاج الى خبير في الشرق الاوسط ليوضح لك ما اذا كانت سوف تنجح. اذا قرأت عناوين الصحف في الاشهر القادمة فحسب، بحيث تتشوش عينيك، فستعلم، كما اوضح لي الصحفي الاسرائيلي ناحوم بارنيا، ان انابوليس قد اعطت مفتاح القدح الى "سيارة لها اربع عجلات معطوبة".
ولكن اذا التقطت الصحيفة ورأيت المعتدلين العرب والاسرائيلين يقومون بافعال مفاجئة، وتسمع نفسك تصرخ متعجبا: "يا للهول، لم ارَ مثل هذا من قبل"، فسوف تعلم اننا سائرون الى نتيجة ما.
Subscribe to:
Posts (Atom)