عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة
ارسل المدعي العام الامريكي تبليغات الى ستة من حراس شركة بلاك ووتر العالمية متورطين في اطلاق النار على مدنيين في العراق، والذي ادى الى مقتل 17 مدنيا، مما يرجح بشكل كبير ان تقوم وزارة العدل الامريكية بتوجيه التهم الى بعض الرجال في الاقل، وذلك حسبما افادت ثلاثة مصادر على صلة بالقضية. وقد عمل الحراس، وهم جميعا من عناصر الجيش الامريكي السابقين، كمتعاقدين امنيين لصالح وزارة الخارجية الامريكية، تم توظيفهم لحمية الهيئات الدبلوماسية والمسوؤلين غير العسكريين في العراق. وقد وقع اطلاق النار حينما وصلت قافلتهم الى منطقة مزدحمة وسط بغداد، وحاول الحراس ان يوقفوا حركة السير.
وقد توصل تحقيق عراقي الى ان المتعاقدين الامنيين اطلقوا النار بدون استفزاز. ولكن شركة بلاك ووتر تقول ان عناصرها تصرفوا دفاعا عن النفس.
وتقول المصادر ان توجيه التهم ضد الحراس سوف يتم على الارجح بموجب قانون (الصلاحيات العسكرية خارج الوطن)، والذي استخدم سابقا في المحاكمات التي احيلت من قبل وزارة الدفاع الامريكية الى وزارة العدل الامريكية بشأن جرائم ارتكبها عناصر الجيش والمتعاقدين فيما وراء البحار. ويتساءل خبراء قانونيون فيما اذا كان المتعاقدون الذين يعملون لصالح وزارة الخارجية خاضعين بالفعل لهذا القانون.
وتنبه المصادر الى ما ان الادعاء العام لازال في مرحلة تقييم الادلة التي جمعت على مدى عشرة اشهر من التحقيقات ابتدأت بعد فترة وجيزة من اطلاق النار. واستنادا الى اثنين من هذه المصادر فان هيئة المحلفين الاتحادية قد استمعت الى افادات ما يقارب 36 من الشهود منذ تشرين الثاني، بضمنهم مسؤولون في شركة بلاك ووتر واشخاص عراقيون.
وتقدم رسائل التبليغ، وهي عادة مقدمة لتوجيه الاتهام، فرصة للمشتبه بهم لتفنيد التهم الموجهة اليهم امام هيئة المحلفين ولتقديم روايتهم الخاصة عن الاحداث. وقد تم ارسال التبليغات هذا الصيف على الرغم من المصادر، التي اشترطت عدم ذكر اسمائها نظرا لحساسية القضية، اشارت الى ان القرار النهائي لن يتخذ قبل شهر تشرين الاول، أي بعد عام من وقوع الحادث.
يقود التحقيقات كل من مكتب الادعاء العام الامريكي في واشنطن وفرقة الامن الوطني التابعة الى وزارة العدل. وقد رفض كل من الناطق باسم مكتب الادعاء العام الامريكي، فيليبس جايننغ، والناطق باسم وزارة العدل، دين بويد، التعليق على هذه الانباء. اما محقق مكتب التحقيقات الفيدرالية في مكتب واشنطن الميداني، والذي حقق في اطلاق النار في موقع الحدث في العراق خلال اسابيع من وقوع الحدث، فقد رفض التعليق هو الاخر.
لكن آن تايرل، الناطقة باسم شركة بلاك ووتر، التي تتخذ من ولاية نورث كارولاينا مقرا لها، صرحت بان الشركة تعتقد بان الحراس اطلقوا النار "ردا على تهديد استفزازي" وانهم يراقبون التحقيقات عن كثب.
وتضيف تايرل: "اذا اتضح ان احد العناصر المتهمة تصرف بشكل غير لائق، فان شركة بلاك ووتر سوف تحمله المسؤولية عن ذلك. لكن في هذه المرحلة، وبدون تمكننا من مراجعة الادلة التي توافرت من خلال التحقيقات المستمرة، فلن نستبق الحكم على تصرفات أي عنصر. ان الشركة تتعاون بشكل كامل مع التحقيقات المستمرة وهي تعتقد ان تحمّل المسؤولية امر مهم".
وقد اشارت تقارير سابقة الى ان التحقيقات التي اجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي قد ركزت على ثلاثة عناصر من بين عدد اكبر ولكن غير معروف في الوقت الذي وقعت في حادثة ساحة النسور ببغداد يوم 16 ايلول. ولم يتم الاعلان عن أي منهم، كما ان السلطات لم تفصح عن اسماء الستة اشخاص الذين تسلموا رسائل التبليغ.
وكان حادث اطلاق النار، والادعاءات حول الفشل في تحميل أي شخص المسؤولية عنه، قد اثارت قضية عدم رضا الكونغرس عن استخدام الحكومة للمتعاقدين الامنيين في مناطق المعارك. وفي الوقت الحالي، فان المتعاقدين الذين يعملون مع وزارة الدفاع حصريا مسؤولون قانونا عن الجرائم في ظل القانون العسكري، لكن الجهود المتكررة في الكونغرس لتمديد هذه الصلاحيات لكي تشمل المتعاقدين مع وزارة الخارجية قد باءت بالفشل.
كما اثار الحادث غضب القادة السياسيين العراقيين. فقد اعفي المتعاقدون مع الولايات المتحدة من الخضوع الى القانون العراقي حسب امر فرض من قبل سلطات الاحتلال الامركي عام 2003.
وفي محاولة منه للاستجابة لغضب العراقيين العارم حول حادثة ساحة النسور، فقد اصر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اثناء المفاوضات حول الاتفاقية الامنية الجديدة مع الولايات المتحدة على خضوع المتعاقدين جميعا الى القانون العراقي. وقد افاد مصدر مقرب من النقاشات الجارية بان ادارة بوش قد وافقت على هذا المطلب تحت الضغط الذي تواجهه الادارة لتوقيع هذه الاتفاقية قبل نهاية العام. الا ان الادارة مازالت مصرة على منح الحصانة من القانون العراقي للجيش الامريكي والمسؤولين الرسميين في وزارة الدفاع (الامريكية)، كما يقول المصدر.
ان شركة بلاك ووتر هي احدى ثلاث مؤسسات تعاقدت معها وزارة الخارجية لتوفير الحماية الشخصية في العراق. وقد جددت وزارة الخارجية في ايار الماضي عقد شركة بلاك ووتر لعام آخر، مدعية بانه طالما كانت القضية قيد التحقيق، فليس لديها أي سبب قاهر لالغاء العقد.
ويجادل محامو عناصر بلاك ووتر في النقاش الجاري مع الادعاء العام بان قانون الصلاحيات العسكرية خارج البلاد، المعروف اختصارا بـ MEJA يمكن ان يطبق فقط على المتعاقدين مع وزارة الدفاع، حسبما افاد اثنان من المصادر. هذا الموقف يسانده مكتب الموازنة في الكونغرس، الذي قال في تقرير حول المتعاقدين صدر الاسبوع المنصرم بان MEJA "لا تنطبق على المدنيين العاملين .... مع الوزارت او الوكالات الاتحادية عدا وزارة الدفاع الامريكية".
هذه النقطة تؤكدها المحاولات المتكررة لتمديد صلاحيات MEJA فيما وراء وزارة الدفاع، والذي لاقى معارضة متكررة من قبل البيت الابيض.
لكن السؤال لم يطرق ابدا في المحكمة. يقول بعض الخبراء القانونيين المستقلين بان الادعاء العام قد يكون قادرا على تقديم جحة مقنعة بان MEJA تغطي عناصر بلاك ووتر المتورطين في حادث اطلاق النار تحت تعديل اجري عام 2005 وسع بموجبه ليشمل المتعاقدين "الذين يعملون في اسناد مهمات وزارة الدفاع".
يقول سكوت سيليمان، وهو استاذ قانون في جامعة ديوك وهو متخصص في قضايا الامن القومي: "انت تتعامل مع بيئة عسكرية. لو لم يكن المتعاقدون هنا لوقعت مسؤولية حمايتهم على عاتق الجيش. يمكن لمحامي الادعاء ان يجادلوا القاضي بان هذه الحقائق تقع ضمن تعريف اسناد مهمات (وزارة الدفاع) في العراق".
ومن بين التعقديات الممكنة في الاجراءات القانونية المحتملة ضد متعاقدي بلاك ووتر هي المقابلات التي اجراها بعض الحراس مع مسؤولين في مكتب الامن الدبلوماسي، التابع الى وزراة الخارجية، مباشرة بعد الحادث. وقد اجريت المقابلات تحت الحماية القانونية من تجريم الذات الممنوحة الى الموظفين الحكوميين، وقد اُخبر الحراس بان تلك المقابلات لا يمكن ان تستخدم من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي او في اية محاكمة محتملة.
يقول بعض المدعين العامين السابقين ومحامو الدفاع ان الحكومة ستلاقي صعوبة في اثبات القضية حتى اذا استطاعت تخطي مسألة الصلاحيات القانونية. فهم يشيرون الى المصاعب التي تواجه الادعاء العام في قضايا اطلاق النار من قبل الشرطة المحلية، ويضيفون ان الفوز بمثل هذه القضايا يكون في غاية الصعوبة.
يقول جورج باري، وهو مدع ٍ عام فيدرالي سابق ومدعي عام ولاية بنسلفانيا وكان تولى قضايا اطلاق النار من قبل رجال الشرطة كمدع ٍ عام ومحامي دفاع، ان محاولة اقناع هيئة المحلفين ان الحراس اقترفوا جريمة حينما فتحوا النار في منطقة حرب "يجعل الفوز بها قضية صعبة للغاية". علما ان باري لا يمثل ايا احد في قضية بلاك ووتر.
يقول المدعي العام السابق ومحامي الدفاع ان المحامين سيبذلون جهودا حثيثة من اجل ان يضعوا هيئة المحلفين في ساحة الحرب ويصورون ان الحراس كان عليهم ان يتخذوا قرارات في اجزاء من الثانية في بيئة يرتدي فيها المتمردون ملابس المدنيين، وان الهجوم قد يقع في أي مكان، وفي اية لحظة. ويضيف المحامون ان افادات الشهود في مثل هذه القضايا عادة ما تعارض بعضها البعض، كما ان الادلة التي جمعت في بغداد قد لا تستوفي معايير الادلة الجنائية التي اعتادت هيئة المحلفين رؤيتها في الولايات المتحدة.
وكانت حادثة ساحة النسور قد وقعت بعد ظهر الثلاثاء، حينما وصل فريق من بلاك ووتر في قافلة من بضعة مركبات (وهنا تختلف الروايات حول سبب وجودهم هناك) وحاولوا ايقاف حركة المرور. ثم نشب اطلاق النار مخلفا العديد من العراقيين قتلى او جرحى. وقال مسؤولو بلاك ووتر ان الحراس تعرضوا الى اطلاق النار. لكن التحقيقات التي اجراها الجيش الامريكي والحكومة الامريكية (وما توصل اليه مكتب التحقيقات الفيدرالي مبدئيا) انتهت الى انه لم يطلق احد النار سوى المتعاقدين.