اضغط لقراءة المقال في نيويورك تايمز بالانكليزية
كتب ديفيد كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز
بعددها الصادر في 28 ديسمبر 2013 تقريرا موسعا عن احداث بنغازي وتداعياتها، وقسمه
الى ستة فصول هي: الاشارات التحذيرية، القائد، السفير، الشرارة، الهرج والمرج،
التداعيات.
ترجمة: علاء خالد غزالة
الفصل الاول: الاشارات التحذيرية
كان دبلوماسي ذو مظهر صبياني يلتقي لاول مرة
مع القادة الاسلاميين لاكثر المليشيات رعبا في شرقي ليبيا. كان ذلك في 9 سبتمبر
2012. وفيما كان الجمع جالسين على كراسي قابلة للطي في قاعة الطعام قرب ساحل
المتوسط، حذر الليبيون من تصاعد التهديد ضد الاميركيين من المتطرفين في بنغازي.
وحينما ذكر احد قادة المليشيات، وكان ذا لحية طويلة ويرتدي ملابس عسكرية غير
متناسقة، الوقت الذي قضاه في افغانستان، لامس حارس اميركي سلاحه بتحفظ.
تذكر محمد الغرابي لاحقا، وهو قائد كتيبة (رافلا
السهاتي)، انه قال للأميركيين: "طالما ان بنغازي ليست آمنة، من الافضل لكم
الرحيل الآن." مضيفا: " لقد قلت للأميركيين بنفسي، وعلى وجه التحديد،
اننا نأمل ان يرحلوا عن بنغازي في اسرع وقت ممكن."
ومع ذلك، تناول رجال المليشيا الكعك مع
ضيوفهم من الاميركيين، كما عبروا عن عميق شكرهم للمساعدة التي قدمها الرئيس اوباما
لهم اثناء انتفاضتهم ضد العقيد معمر القذافي. وأكدوا انهم يريدون ان يبنوا شراكة
مع الولايات المتحدة، خصوصا فيما يخص الاستثمار. بل انهم طلبوا، تحديدا، انشاء
فروع لمطاعم اميركية مثل مكدونالدز وكي اف سي في بنغازي.
واستنادا الى زملاء ديفيد مكفيرلاند، وهو
مساعد سابق في الكونغرس، والذي لم يلتق سابقا بقائد مليشيا ليبي، غادر الاجتماع
بحالة من القلق. ولكن الاجتماع لم يهز من ايمانه في منظور الانخراط بليبيا بشكل
اعمق. وبعد يومين، قام بايجاز الاجتماع في تقرير ارسله الى واشنطن، واصفا رسائل
مختلطة من قادة المليشيات.
كتب: على الرغم من "المشاكل الامنية
المتنامية" فقد اراد المقاتلين ان تنخرط الولايات المتحدة بشكل اكبر "من
خلال (اقناع) رجال الاعمال الاميركيين على الاستثمار في بنغازي."
وأُرسل التقرير، المؤرخ في 11 سبتمبر 2012،
باسم مسؤول السيد مكفيرلاند، السفير كريستوفر ستيفنز.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قُتل السيد
ستيفنز مع ثلاثة اميركيين آخرين في بنغازي، في اكبر هجوم نوعي على مِلْكية تابعة
للولايات المتحدة خلال احد عشر عاما، منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.
لقد كان هذا التقرير آخر علامة على أشهرٍ من
عدم فهم اميركا لليبيا وتخبطها فيها، وخصوصا بنغازي التي ترعرع فيها الكثيرون تحت
ظلال هجوم 11 سبتمبر السابق (عام 2001). لقد خاضت الولايات المتحدة عميقا في ليبيا
ما بعد القذافي، على أمل ان تؤسس موطأ قدم ضد المتطرفين، خصوصا القاعدة. وقد أمنت
انها تستطيع ان ترسم خطا ساطعا بين الاصدقاء والاعداء في ليبيا. لكنها خسرت سفيرها،
آخر الامر، في هجوم شمل كل من المناوئين الصريحين للغرب والمقاتلين المنتمين الى
المليشيات التي اتخذها الاميركيون حلفاء لهم.
بعد اشهر من الحقيق الذي اجرته (نيويورك
تايمز)، والمتمركز على مقابلات مكثفة مع الليبيين في بنغازي الذين كان لديهم معرفة
مباشرة بالهجوم وما يحيط به، قد توصل الى انه ليس هناك من دليل على ان القاعدة
او اية منظمة ارهابية دولية قد لعب اي دور في الاعتداء. بدلا من ذلك، فقد قاد
الهجوم مقاتلون استفادوا مباشرة من القدرة الجوية المكثفة لحلف الناتو والدعم
اللوجستي خلال الانتفاضة ضد القذافي. وعلى الضد من ادعاءات بعض اعضاء الكونغرس،
فقد استمد الهجوم وقوده في الجزء الاكبر من الغضب حول الفيديو المسيء للاسلام
المنتج في اميركا.
ان المحاسبة التامة عن الهجوم تقترح دروسا
للولايات المتحدة تذهب فيما وراء ليبيا. فهي تظهر المخاطر الناجمة عن ترقب
المساعدة الاميركية في الاوقات العصيبة لشراء الولاء المستدام، وصعوبة تمييز
الاصدقاء عن حلفاء المصلحة في ثقافة شكلتها عقود من النزعة المناهضة للغرب. وكلا
الامرين هما تحديان يحومان الان حول التورط الاميركي في الصراع المدني السوري.
كما يقترح الهجوم ان التهديد من المليشيات
المحلية في انحاء المنطقة قد تضاعف، وعليه فان التركيز المكثف على مقارعة القاعدة
قد يصرف الانتباه عن حماية المصالح الاميركية.
وفي هذه الحالة، فان الشخصية المركزية في
الهجوم كان رجلا غريب الاطوار يقود مليشيا ساخطة، واسمه احمد ابو ختالة، استنادا
الى عدد كبير من الليبيين الذين تواجدوا في ذلك الوقت. ويصفه المسؤولون الاميركيون
المطلعون على التحقيق الجنائي في الهجوم على انه المشتبه الرئيسي. وقد صرح السيد
ابو ختالة علنا ولعدة مرات انه يضع الولايات المتحدة في موقع ليس ببعيد عن العقيد
القذافي في قائمته للأعداء الكافرين. ولكن ليس من المعروف عنه ارتباطه باي مجموعة
ارهابية، كما انه فرّ من عملية التفحص التي أجرتها محطة لوكالة الاستخبارات الاميركية
تضم 20 عنصرا في بنغازي، والتي أُعدت لمراقبة الوضع المحلي.
لقد كان السيد ابو ختالة، الذي ينفي اشتراكه
في الهجوم، منضويا باحكام في شبكة مليشيات بنغازي قبل الهجوم وبعده. ويعتبره
الكثير من القادة الاسلاميين الاخرين متطرفا غريب الاطوار. ولكنه لم يكن الا عتبة
ازيلت من امام اكبر القادة تأثيرا الذين هيمنوا على بنغازي وكانوا اصدقاء للاميركيين.
لقد كانوا جيرانه، وزملاءه في السجن، ورفاقه في خطوط القتال ضد العقيد القذافي.
والى هذا اليوم، يعرض بعض قادة المليشيا حجة
غياب للسيد ابو ختالة. ويقاوم الجميع الضغوط الامريكية الهادئة لتسليمه لمواجهة
المحاكمة. وفي الربيع الماضي، سعى احد اكثر القادة الليبيين نفوذا لتعيينه قاضيا
محليا.
وبعد خمسة عشر شهرا من موت السيد ستيفنز، فان
سؤال المسؤولية يبقى سؤالا ذاويا في واشنطن، التي تؤطرها قصتين متعارضتين.
احدهما تدور حول ذلك الفيديو، والذي نُشر على
موقع يوتيوب، ما أدى الى خروج مظاهرات عفوية في الشوارع خرجت عن السيطرة. تلك
النسخة، المستندة الى تقارير استخبارية اولية، كانت هي ما عرضته سوزان رايس
مبدئيا، والتي اصبحت الان مستشارة السيد اوباما للامن القومي.
والاخرى، التي يفضلها الجمهوريون، تصر على ان
السيد ستيفنز مات في اعتداء مخطط بعناية من قبل القاعدة في المناسبة السنوية
لضربها الولايات المتحدة قبل 11 عاما. واتهم الجمهوريون ادارة اوباما بالقيام
بالتغطية على الادلة التي تشير الى دور القاعدة لتفادي الحط من ادعاء الرئيس بان
تلك المجموعة قد تفككت، جزئيا بفعل الغارة التي قتلت اسامة بن لادن.
يظهر التحقيق الذي اجرته صحيفتنا ان الحقيقة
في بنغازي كانت مختلفة، واكثر غموضا، من كلتا القصتين. لم تكن بنغازي مخترقة من
قبل القاعدة، لكنها مع ذلك ضمت تهديدات محلية مهلكة للمصالح الاميركية. لا يبدو ان
الهجوم كان مدبرا بعناية، لكنه لم يكن فعلا عفويا، او حدث بدون اشارات تحذيرية.
واضحى السيد ابو ختالة معروفا في بنغازي بعد
دوره في قتل الجنرال الثائر، وبعد ذلك لاعلانه ان زملائه من الاسلاميين لم يكونوا
ملتزمين بشكل كاف بالدولة الدينية. وهو لم يخفِ استعداده لاستخدام العنف ضد
المصالح الغربية. وتفاخر احد حلفاؤه، وهو قائد المليشيا الاكثر صراحه في معادة
الغرب، انصار الشريعة، قبل اشهر قليلة من الهجوم ان بامكان مقاتليه
"تسوية" البعثة الاميركية بالأرض. ويبدو ان نظام المراقبة في المجمع
الاميركي كان جاريا قبل 12 ساعة على الاقل من بدء الاعتداء.
ومع ذلك، كان هناك عنصرا عفويا في اعمال
العنف. فقد حفز الغضب من الفيديو الهجوم الاولي. وشارك العشرات من الاشخاص، بعضهم
بتحريض الفيديو وآخرين استجابة لإشاعات انتشرت بسرعة مفادها ان الحراس داخل المجمع
الاميركي قد اطلقوا النار على متظاهر ليبي. وكان الناهبون ومشعلو الحرائق، بدون اي
اشارة على وجود خطة، هم من خرّب المجمع بعد الهجوم الاولي، استنادا الى ما يزيد
على انثي عشر شاهدا ليبيا، بالاضافة الى المسؤولين الاميركيين الذين شاهدوا صور
الكاميرات الامنية.
وقدم فريق وكالة الاستخبارات الاميركية في
بنغازي لكل من السيد مكفيرلاند والسيد ستيفنز قبل يوم واحد من الهجوم تقريرا موجزا
عن الوضع الامني. لكن الجهود الاستخبارية في ليبيا تركزت على اجندات كبار قادة
المليشيات وحفنة من الليبيين المشتبه بصلتهم بالقاعدة، حسبما افاد بعض المسؤولين
الذين تلقوا ذلك الايجاز. وكما هو الحال مع جميع الايجازات تقريبا في تلك الفترة،
لم يرد ذكر اسم السيد ابو ختالة او انصار الشريعة او الفيديو المسيء للاسلام في ذلك
الايجاز، حتى مع كون القناة التلفازية المصرية، التي تحظى بشعبية في بنغازي، تفيض
غضبا ضد الفيديو.
وقد اثبت ان اعضاء المليشيات المحلية التي
استدعاها الاميركيون لتقديم المساعدة انهم لا يعتمد عليهم، بل وحتى معادين. وربما
يكون التركيز على القاعدة قد صرف نظر الخبراء عن التهديدات الوشيكة. ويبدو ذلك
الان فشلا استخباريا.
وبشكل اكثر توسعا، فان السيد ستيفن، على غرار
رؤسائه في واشنطن، اعتقد ان بامكان الولايات المتحدة ان تحول الجمع الحرج من
المقاتلين الذين ساعدتهم في التخلص من القذافي الى اصدقاء يعتمد عليهم. لقد مات
وهو يحاول فعل ذلك.