Sunday, March 29, 2009

االعراق ينظر في منح المستثمرين الاجانب في قطاع النفط شروطا افضل

عن نيويورك تايمز
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – تنظر الحكومة العراقية في تقديم حوافز جديدة للشركات الاجنبية لحملها على الاستثمار في قطاع النفط، حيث تمس الحاجة الى زيادة الانتاج. وتتضمن هذه الحوافز عروضا بتمليك اغلبية الاسهم في المشاريع المشتركة لتطوير حقول النفط والغاز الضخمة في البلاد، حسبما افاد مسؤول عراقي رفيع يوم الاربعاء. وقال المسؤول انه سوف يتاح للشركات الاجنبية ان تمتلك حتى 75 بالمئة من المشاريع الجديدة. وكان العراق قد عرض على الشركات الاجنبية التي تفاوض معها، ومنها اكسون موبيل ورويال دوتش شيل، استملاك ما لا يزيد على 49 بالمئة من اسهم المشاريع المشتركة لتطوير الحقول النفطية الموجودة والجديدة.
وقد طلب من الشركات الاجنبية، ضمن عملية رسمية وضعت السنة الماضية، ان تقدم عروضها للحصول على حقوق المشاركة في توسيع الانتاج النفطي العراقي. لكن العديد من الشركات كانت متشككة حول الشروط التي وضعتها البلاد، وقالوا انها تفتقر الى الحوافز الكافية. وفي نفس الوقت، فان التحسن الامني في العراق يعني ان الشركات الاجنبية اصبحت متحمسة للاستثمار في البلاد بعد عقود من الحروب والعقوبات التي ابقت هذه الشركات بعيدة عن العراق. وقال وزير النفط العراقي، حسين الشهرستاني، في حديثه الى منظمة الاوبك في جنيف يوم الاربعاء، ان العراق سوف يسمح للمرة الاولى للشركات الاجنبية ان تشارك في الارباح من الانتاج النفطي مباشرة، بدلا من البدلات الثابتة في المشاريع المشتركة المعروضة حاليا. سوف يتم تطبيق هذه الترتبيات، التي تعرف باتفاقية المشاركة في الانتاج، على الاستكشافات الجديدة غير المضمونة، وهي سوف تقدم ايضا حوافز اضافية الى المستثمرين الاجانب وتسمح لهم باستعادة استثماراتهم بسرعة اكبر. وأكد السيد ثامر الغضبان، كبير مستشاري رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ووزير النفط السابق، تصريحات السيد الشهرستاني.
وقد كانت هناك معارضة شديدة في البرلمان من قبل العديد من الاحزاب السياسية ضد اية استثمارات اجنبية، واكثر من ذلك ضد فكرة اتاحة الفرصة للشركات الاجنبية ان تمتلك اغلبية الاسهم في المشاريع المشتركة. وحتى العقد المقترح مع شركة شيل لانتاج الغاز الطبيعي في جنوب العراق، والذي يمنح الشركة حصة 49 بالمئة، قد تعرض الى الادانة في البرلمان.
وقال برهم صالح، نائب رئيس الوزراء العراقي، والذي ترأس المراجعة التي قامت بها الحكومة العراقية لاصلاح القطاع النفطي، ان منح الشركات الاجنبية حوافز اضافية قد تأخر كثيرا. واضاف: «هناك اجماع على ان السياسة والادارة النفطية الحالية هي في وضع كارثي.»
وقال السيد الغضبان انه اضافة الى عملية تقديم العروض الرسمية التي تم وضعها العام الماضي، كان العراق يتفاوض مباشرة مع عدد من الشركات العالمية لزيادة الانتاج من الحقول النفطية الموجودة. ويبدو ان اول هذه الحقول يقع في الناصرية، والذي خطط العراق ان يطوره بنفسه. وتخوض الحكومة العراقية نقاشات مع شركة ايني الايطالية وشركة ريبوزال الاسبانية وشركة نيبون اويل اليابانية، حسبما قال المسؤولون العراقيون.
وقال السيد صالح ان مراجعة السياسة النفطية التي انجزت في الاول من آذار دعت الى اعادة النظر في الحظر على اتفاقيات مشاركة الانتاج، واضاف: «لا يمكن القبول بالوضع الحالي.»
وقال ابراهيم بحر العلوم، مستشار السيد المالكي للشؤون النفطية، ان هناك اتفاقاً واسعاً ان العراق يحتاج الى طرق جديدة لجذب اهتمام المجموعات النفطية الاجنبية. واضاف: «لكن علينا ان نقرر ماهي هذه الطرق.»
وقال انه لا علم له بتصريحات السيد الشهرستاني التي ادلى بها يوم الاربعاء، لكن فكرة منح اغلبية الاسهم للشركات الاجنبية سوف تكون مثارا للجدل. وقال: «هذه قضية معقدة وحساسة للغاية.»
يقترح العراق الان ان يمنح ملكية اسهم حقول النفط او الغاز الى الشركات الاجنبية، لكن دستور البلاد الجديد يمنع ذلك. بدلا من ذلك، يمكن للشركات العالمية ان تمتلك حصة اكبر في الشركات المشتركة، والتي سيتم تأسيسها لتطوير واستخدام الحقول النفطية.
ولم يتسن لنا الوصول الى السيد الشهرستاني للتعليق على الموضوع.
وقد توجب على العراق ان يخفض من ميزانيته بشدة نتيجة انخفاض اسعار النفط. وقال السيد الشهرستاني ان ذلك قد ساهم في الحاجة الى «زيادة فورية الى انتاج اضافي.» وقال السيد الشهرستاني ان العراق ينتج حاليا 2,4 مليون برميل يوميا ويأمل في زيادة الانتاج الى 6 ملايين برميل يوميا خلال الاعوام الست القادمة. وهو يقدر ان الانتاج الاضافي سوف يتطلب استثمارا بقيمة 50 مليار دولار. وكان السيد الشهرستاني قد عارض في الماضي اي مقترح لاتفاقيات مشاركة الانتاج مع الشركات الاجنبية. لكن موقفه اصبح اكثر لينا يوم الاربعاء.
وقال في فينا: «نحن لا ننحي جانبا اتفاقيات مشاركة الانتاج بالكامل، لكن من المرجح ان يكون هذا للحقول الجديدة والتي لم يتم استكشافها وتقييمها بعد. نحن ننظر في تقديم ذلك في عروض تعلن في وقت لاحق هذا العام. هناك 65 منطقة ذات فرص طيبة لاستكشاف النفط والغاز في العراق.»

Wednesday, March 25, 2009

لـم يعد للضحايا أية قيمة

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

ابو غريب – في منتصف نهار يوم الثلاثاء 11 آذار كان هناك انفجار، اعقبه اطلاق نار، ما ادى الى مقتل 33 شخصا. اختلطت اشلاء من اجسام الضحايا مع مياه المجاري والازبال وفضلات الطعام الفاسدة. وفي منتصف نهار الاربعاء لم يتبق سوى الاطلال. هذه الاطلال المتخلفة عن هجوم يوم الثلاثاء، وهو احد هجومين وقعا في الاسبوع الماضي واديا الى مقتل العديد من الاشخاص في العاصمة وضواحيها، تمثلت في اغلفة الاطلاقات الفارغة الملقاة على قارعة الطريق، تعكس ومضات من شمس الصباح. تلك الاغلفة هي ما تخلف عن الاطلاقات التي يتهم الناجون الجنودَ باطلاقها عليهم في خضم الفوضى والارتباك الذين اعقبا الانفجار.
يقول رحيم عبد الله، الذي فقد عمته وابن عمه: "لن يحاكمه الاميركيون ولا العراقيون. سوف يمثل لعدالة السموات." (في اشارة الى المفجر الانتحاري). في عام 2003، حينما بدأت الولايات احتلالها، كان التفجير الذي يؤدي الى نصف عدد الضحايا الذين سقطوا في تفجير الثلاثاء يعتبر مؤشرا على ان الولايات المتحدة قد لا تحرز النصر. اما اليوم، ففي الوقت الذي يبدو الاميركيون وحلفاؤهم من العراقيين يحققون نصرا، فان هذا الهجوم لم يتمكن حتى من ان يتصدر عناوين الصحف الحكومية على صفحاتها الاولى.
يقول محمد عواد، وهو قريب لاحد الضحايا، والذي كان واقفا قرب المشرحة تحت الشمس التي غسلت لون ابو غريب: "لم يعد احد يولي الضحايا اية قيمة." وحتى قبل سقوط نظام صدام، كان لـ(ابو غريب)، وهي منطقة معزولة في ضواحي بغداد الغربية، قيمة معنوية. فقد كان السجن الكائن في هذه المنطقة اسوأ معتقلات النظام؛ مكان ينطق اسمه بالرعب من ارهاب النظام الدائم. وحينما اصدر صدام قرار العفو الذي افرغ السجون في تشرين الاول من عام 2002، كان ذلك تمهيدا للفوضى التي اراد لها ان تستمر ستة اشهر في الاقل بعد سقوط النظام، في الوقت الذي خرجت البلاد باكملها من زنزانات السجن الى ضوء الشمس. وتحولت (ابو غريب) الى محور للتمرد، حتى باتت واحدة من اخطر المناطق العراقية. وقد استولى الجنود الاميركيون على سجن ابو غريب، ومن ثم التقطوا صورا فوتوغرافية تعكس معاملتهم السادية لنزلاء السجن. وفي يوم الاربعاء، وهو اليوم التالي لتفجير السوق، تحولت (ابو غريب) الى رمز للموت المجهول، في صراع مازال يسقط المئات من الضحايا كل شهر، حتى مع عودة الاحساس بالحياة الطبيعية.
جُمعت بقايا اللحم البشري في كيس اسود من البلاستك والقي قرب السوق، المؤلف من اكشاك من القماش الممزق والبطانيات المهترأة، والخشب والحديد المزعزين. مازالت رائحة الموت العفنة تفوح من البرك الطينية المختلطة بالدم وقد تحولت الى لون بين البني والاحمر. وعلقت اكياس من البلاستك بالاسلاك الشائكة التي راحت ترتجف مع هبات الريح الحزينة. وعلى الجدارن الكونكريتية رسمت لوحات للطيور والانهار والنخيل وغروب الشمس، بما لا يتوأءم مع طبيعة المكان الذي اصطبغ، من نخيله المُغبر الى حشيشه اليابس، بلونين رمادي وبني.
كتب على الحاجز الكونكريتي عبارة: "ممنوع الوقوف" في نفس المكان الذي توقف فيه اللواء مارد عبد الحسن يوم الثلاثاء ليتجول في ذات السوق قبل ان يهرع المفجر الانتحاري اليها بسيارته المفخخة ليفجرها وسط جموع الناس من الرجال والنساء والاطفال. يقول احمد ناجي، الذي يرقد اخوه علي في المستشفى، وقد انفذ انبوب الى انفه لكي يسحب الدم من جرحه: " لن ننسى. لن ننسى ما حدث."
كان علي يعبر الطريق حينما رمى المعتدي، الذي كان يرتدي زيّ رجل شرطة، بنفسه على اللواء عبد الحسن. وقذف عصف الانفجار ابنة علي الرضيعة، واسمها آية، من بين يديه لتطير في الهواء وتسقط على الارض.
ويقول عن نجاته ببساطة: "الحمد لله."
يقول اخوه احمد: "لقد كان مثل يوم سقوط بغداد، لا بل اسوأ من ذلك." يقول اللواء عبد الحسن ان المتمردين اطلقوا النار على رجاله، ما ادى الى اشتباك بالاسلحة النارية، حمى وطيسها بينما كانت سيارته تبتعد عن المكان. ولكن رجال الشرطة المتمركزين في المنطقة يلقون باللائمة على الجنود المرافقين لقافلة اللواء لاطلاقهم النار عشوائيا. ويصر الناجون، ويوافقهم في ذلك الاطباء والعاملون في المستشفى، على ان جنود السيد اللواء فقدوا – ببساطة – السيطرة على الموقف، بان انهالوا بالاطلاقات على الناجين بينما كانوا يشقون طريقهم خلال السوق.
يقول علي: "لقد تعرض كل من كان في حال الحركة الى اطلاق النار."
بينما قال رجل آخر، وهو يئن تحت وطأة جراحه: "لقد كانوا مثل جيش احتلال."
بدا احمد تحسين، الذي يبلغ 12 عاما فقط، اصغر من عمره نظرا لنحافته. وكان يبيع الاكياس البلاستيكية في السوق مقابل 20 سنتا. وقد مات ابوه في حادث سيارة قبل الحرب، وهجرته امه. وقامت اخته غير الشقيقة، نورا، بتنشئته، هو واخوه حسام. بكى احمد وهو يئن في الغرفة المجاورة، بينما كان الطبيب يحاول ان يدس انبوبا في انفه لاستخراج الدم المتخلف من جراحة اجروها له لاستئصال اجزاء من امعائه واحشائه الداخلية. فقد تمزق طحاله، على حد تعبير الطبيب. بكى احمد مجددا وهو يقول: "لا استطيع احتمال الالم."
صاح به الطبيب: "اسكت! ما افعله هو في صالحك." وتوسل الصبي، وهو يتكور في البطانية التي القيت عليه: "لا تدعوه يضعه في انفي. لا تدعوه يفعل ذلك. ارجوكم تكلموا اليه."
اتكأ اخوه الى جدار متسخ وقد اجهش بالبكاء.
قال حسام: " ما الذي فعله ليجني هذا؟ لماذا؟ انه لم يفعل أي سوء."
مالت الشمس الى المغيب. انها تفعل ذلك في العراق، لا تمل ولا تسأم. وقف عبد الله وعواد الى جانب ثلاجة المشرحة، وقد تجمع العرق على جباههم بانتظار تسلم جثامين اقربائهم. لم يكن بامكانهم القدوم في الساعات التي اعقبت الهجوم، فقد اغلقت كل الطرقات. يقول عبد الله: "لم يسمحوا لاي احد بالمرور. لم يسمحوا حتى لشخص واحد بالدخول او الخروج." وكان قد ذهب في تلك الليلة لاستلام جثة ابن عمه، رعد صابر، وكان يبلغ 28 عاما من العمر. ثم عاد يوم الاربعاء ليدفن عمته، بركة حسين خلف والتي كانت تبلغ 63 عاما. وكان جثمانها محفوظا في الداخل، مع تسعة جثامين اخرى وبقايا من ساقيْ المفجر الانتحاري.
قال عبد الله: "انه لكابوس. وددت ان اعرف الحوار الذي يدور بينهم الان. آمل انهم يسالونه لماذا قتلهم. اريدهم ان يعرفوا اجابته." تقع مقبرة الكرخ على مبعدة كيلومترات عن السوق، والذي بدا مهجورا يوم الاربعاء، الا من قليل من باعة الرصيف الذين يعرضون الطماطم والباذنجان والقرع والموز والبرتقال إضافة الى البطاطا التي تشتهر بها (ابو غريب). عند مدخل المقبرة جلس كاتب خلف منضدة. قرأ الاسم الاول: "رسول فاضل عباس"، مواليد 1988. "عبد المجيد حميد احمد"، مواليد 1995. "محمد خضير"، مواليد 1998. ثم تلا اسماء ثلاثة عشر آخرين من الضحايا. اما سبب الوفاة فهو واحد لدى الجميع. قرأ: "نتيجة انفجار". تم دفن الجثث تحت اكوام من التراب الذي كان معدا لذلك. كتبت الاسماء بخط اليد على الواح كونكريتية زهيدة الثمن. وغرست سعفة نخيل في التراب مع كل قبر. وبين الفينة والاخرى تتعالى اصوات الحزن. تحرك الجمع وئيدا قرب اشجار الكالبتوز، تعظيما لطقوس الدفن.
قال اكرم احمد، حفار القبور: "فليرحمهم الله."

Wednesday, March 18, 2009

تغيير السياسة الأميركية حيال غوانتانامو

عن: هيرالد تربيون
ترجمة: علاء غزالة

قالت إدارة اوباما يوم الجمعة انها سوف تتخلى عن مصطلح «المقاتلين الأعداء» الذي تبنته ادارة بوش، في الوقت الذي تجادل فيه هذه الادارة من اجل استمرار احتجاز السجناء في غوانتانامو في كوبا. وهي حركة يبدو ان النية منها الفصل الرمزي بين الادارة الجديدة وسياسيات الاعتقال تحت ادارة بوش.
وجاء في لائحة الدعوى التي قدمتها وزارة العدل ان من صلاحية الرئيس ان يأمر باحتجاز المشتبه بهم من دون توجيه تهم جنائية، وهو ما اكدت عليه ادارة بوش. ووفرت اللائحة تعريفا فضفاضا للاشخاص الذين يمكن ان يتم احتجازهم،
والتي لا تختلف كثيرا عن التعريفات التي استخدمتها ادارة بوش. وورد في اللائحة ان الادارة الحالية يمكنها ان تدافع بقوة عن قدرتها على الاحتفاظ بالمعتقلين في غوانتانامو، طالما كان هذا المعتقل مفتوحا.
كتب محامو الادارة الاميركية: «يمتلك الرئيس صلاحية احتجاز الاشخاص» الذين خططوا او ساعدوا في الهجمات التي وقعت عام 2001 وهؤلاء «الذين شاركوا، او قدموا مساعدة مادية، لقوات طالبان أو القاعدة.»
تقول ادارة اوباما انها كانت تستند الى مبادئ القانون الدولي فيما يخص الحرب والنافذة حاليا. واشار البيان الصادر عن هذه الادارة الى ان الحكومة تريد ان تنآى بنفسها عن الادعاءات بان ادارة بوش عادة ما استخدمت الصلاحيات التنفيذية الموسعة لتبرير غوانتانامو.
وقد بذلت الادارة الجديدة جهودا في محاولتها التأكيد على انها تتخذ مسارا مختلفا. تقول الادارة ان التعريف الجديد «لا يستند الى صلاحيات الرئيس لكونه القائد العام للقوات المسلحة»، بما يتجاوز الصلاحيات التي يمنحها الكونغرس. غير ان لائحة الدعوة، التي قدمت الى محكمة مقاطعة واشنطن الاميركية، تنص على انها تهدف الى ايجاد تعريف للمحتجزين الذين يمكن الابقاء عليهم. وقد اصابت اللائحة نقاد غوانتانامو بالاحباط، والذين قالوا ان اللائحة تهدف الى الابقاء على السياسات التي تعرضت الى الانتقاد لاكثر من سبعة اعوام.
وهي آخر مثال على ان ادارة اوباما ستحتفظ بسجن غوانتانامو، حتى بعد ان اعلنت عن نيتها اغلاقه، حيث لايزال يضم 241 محتجزا.
يقول ستيفن انجل، والذي كان المحامي الاقدم المسؤول عن قضايا المعتقلين في المجلس القانوني التابع لوزارة العدل الاميريكة حتى اليوم الاخير من ولاية ادارة بوش: «يبدو ان هذا الامر متوافق مع مواقف الادارة السابقة.» ويضيف انجل ان المسألة ليست في تعريف «المقاتلين الاعداء»، بل ان «النقطة المهمة انهم يدركون ان بامكاننا احتجاز عناصر من الاعداء» اثناء الحرب، على حد قوله.
دارت حول موقف الادارة الحالية تكهنات واسعة قبل يوم الجمعة الماضي، وهو الموعد النهائي الذي حدده القضاة الفيدراليون للادارة لكي تقدم التعريف الذي تعتقد انه يجب ان يستخدم في المحاكم في قضايا الاعتقال التعسفي عندما تراجع هذه المحاكم قضايا المحتجزين. وقد امل محاموا بعض المحتجزين في تعريف اكثر تحديدا، وربما تعريفا يزيل لفظ «مساندة» طالبان او القاعدة على انه اساس للاعتقال.
وتوقع بعض محاموا المحتجزين إن من شأن مثل هذا التغيير ان يقطع الطريق امام تبريرات الحكومة في الابقاء على ما يقارب نصف المعتقلين، بضمنهم الجهاديين الذين تم اعتقالهم في افغانستان، والذين لم يقاتلوا ابدا ضد الولايات المتحدة، وغيرهم من الذين اشارت الحكومة ان من المحتمل ان صلاتهم مع القاعدة او طالبان كانت سطحية.
واضاف التعريف الجديد الذي وضعته الادارة الاميركية يوم الجمعة شرطا جديدا ينص على ان يجب ان يكون الشخص المعتقل قد قدم «مساندة مادية مؤثرة» الى القاعدة او قوات طالبان المتعاونة معها لتبرير الاستمرار في اعتقاله. لكن الادارة لم تعرّف معنى «المادية المؤثرة»، بينما يقول محاموا المعتقلين إنهم يشكون في ان ذلك يمكن ان يساعد الكثير من موكليهم.
ويتوقع ان تؤدي الدعوة القانونية، التي بنيت على نحو 40 من حالات الاعتقال التعسفي الذين تحدوا قانونية وضعهم في السجن، الى ان تتخذ الحكومة نفس الموقف فيما يخص 200 حالة مشابهة، كما انها ستحكم وضع المراجعة المنفصلة خارج المحكمة والتي أمر بها الرئيس باراك اوباما. يقول بعض منتقدي غوانتانامو ان لائحة يوم الجمعة تندرج تحت نفس النهج الذي اتخذته الادارة الحالية، والذي يبدو انه مصمم لقطع دابر الانتقادات حول غوانتانامو، بيد انها لا تتخذ الا القليل لتغيير سياسات الاعتقال.
ويلاحظون ان رئيس الادعاء العام، ايرك هولدر، قد ادعى بعد زيارته للمعتقل في شهر شباط ان المعتقل «يدار بشكل جيد.» ويقولون انهم، إضافة الى ذلك، صُدموا لتقرير البنتاغون الذي تبنته الادارة الجديدة قد قال في الشهر الماضي ان معكسر الاعتقال في القاعدة البحرية في غوانتانامو باي يتوافق مع معايير المعاملة الانسانية التي نصت عليها اتفاقيات جنيف.
يقول رمزي قاسم، وهو محامي احد المعتقلين ويحاضر في كلية القانون بجامعة ييل، ان على الادارة الجديدة ان تتعامل بفعالية اما مع الجهود الرامية لاطلاق سراح الكثير من المحتجزين، او تحسين الظروف هناك.
ويقول ان تقديم اللائحة يوم الجمعة هو مؤشر اضافي ان على الادارة الجديدة ان تتعامل مع التعقيدات حول سجن غوانتانامو او قضايا المعتقلين. ويضيف قاسم: «اعتقد انهم ربما يكونون تحت تأثير خطاب الادارة السابقة الى حد كبير.»
لكن لائحة وزارة العدل تؤطر تعديل المواقف الحكومية في ما يخص المصطلحات الموسعة. ففي البيان الرسمي المصاحب لتقديم اللائحة قالت الوزارة ان موقف الحكومة قد تم تصميمه ليخضع بعناية الى متطلبات القانون الدولي حول الحروب، وهي المبادئ المعترف بها منذ زمن طويل، والتي تسمح باحتجاز مقاتلي الاعداء حتى نهاية العمليات القتالية.
وقد احتجت ادارة بوش بنفس الطريقة، لكنها عادة ما تضمنت تأكيدات مكثفة على الصلاحيات التنفيذية الواسعة.
وقد اعلن مسؤولو ادارة اوباما مرارا وتكرارا في الاشهر الاخيرة انهم ينوون اتخاذ قراراً حول سياسة الاعتقال التي يرون انها اكثر ترسخا في المبادئ القانونية من سلفهم.
وعلى الرغم من ان مصطلح «المقاتلين الاعداء» قد استخدم سابقا في قض ية تخص الحرب العالمية الثانية عرضت امام المحكمة الاميركية العليا، فان منتقدي ادارة بوش يقولون ان المسؤولين قد استخدموه لترخيص الاعتقال الذي لا تسمح به قواعد الحرب المتعارف عليها عالميا.
واقتبس محامو وزارة العدل في لائحة الدعوة نصوصا من قواعد الحرب والمبادئ الخاصة بها تنص على ان «اعتقال واحتجاز القوات المعادية» امر مرخص به. لكن اللائحة اشارت بوضوح الى ان ادارة اوباما رفضت الحجة التي قدمها محامو المحتجزين بانها يجب ان تخالف الى حد كبير الكثير من السياسات التي اتبعت في السنوات السبع الماضية.
واشار محامو الحكومة ان بعضا من محامي المحتجزين يحتجون بانه لا يجوز ابقاء أي من المحتجزين رهن الاعتقال باستثناء اولئك يدعى انهم شاركوا مباشرة في عمليات قتالية ضد قوات الولايات المتحدة.
وتقول بان قوانين الحرب لا تحد من صلاحية الولايات المتحدة في الابقاء على المعتقلين باولئك الذين تورطوا في قتال ضد الاميركيين. وتمضي الى القول: «ان استنتاجا مناقضا لهذا سوف يكافئ العدو الذي يتصرف بشكل منافٍ لقوانين الحرب عن طريق العمل في شبكة غير محكمة الارتباط، وتمويه قواته لتبدو وكأنها اشبه بالمدنيين.»

Sunday, March 15, 2009

ليل بغداد يعج بالحياة بعد ان تنعمت بالأمن

عن: التايمز
ترجمة: علاء غزالة

لم تر بغداد مثيلا لهذا من قبل: في حانة الخيام التي تم افتتاحها مؤخرا على ضفاف نهر دجلة تتشابك اذرع مجموعة من الجنود المظليين الاميركيين، المدججين بكامل عدتهم الحربية، مع ايدي ثلة من العراقيين الذين انتشوا بسكرة الخمرة وهم يرقصون طوال الليل. يقول احد الجنود من الفرقة 82 المحمولة جوا: "انه لامر طيب ان نتعرف قليلا على ثقافة العراقيين." وقد اجتهد مع ثلاثة او اربعة من اخوته في الرقص، وهم لايزالون يرتدون السترات الواقية من الرصاص وتتدلى من اكتافهم البنادق الالية نوع (ام فور)، اجتهدوا في ان يتقنوا الرقصة. كانوا يضحكون ويتندرون. بعضهم رقص يد بيد مع نساء عراقيات. البعض الاخر رقص حتى مع الرجال، وهو امر معتاد في العالم العربي.
يقول احد الجنود من فورت براغ في نورث كارولينا، بينما كان يعدل من صدريته وخوذته: "اتمنى حقا لو انني لم ارتدِ هذه (القذارة)، لكن ذلك خطر."
كان الجو العام يبعث على الراحة، وقد غمر بالموسيقى العربية ذات النغمات الرفيعة العالية. وبين الحين والآخر يعتلي احد المطربين الخشبة ليغني للزبائن، وهم خليط من الرجال السكارى الذين يردتون قمصانا لماعة واخذية ذات نهايات مدببة وقد دهنوا شعورهم بالمعاجين، ورفيقاتهم وهن مجموعة من المومسات اللائي يرتدين قمصانا ضيقة وزاهية.
بدا ان العراقيين مسرورين بوجود الاميركيين معهم. تقول شذى، التي تبلغ 25 عاما من العمر وهي نادلة قصيرة القامة: "حينما ارى الامريكيين هنا اشعر بالسعادة، فهذا يعني اننا على علاقة طيبة."
وفي بضع ساعات تلاشى عنف ست سنوات بين كؤوس الجعة وقرع الموسيقى.
ان تنامي حياة الليل في العاصمة العراقية هو اوضح دليل على ان هذه المدينة تعود الى حالتها القديمة قبل الحرب، بعد كابوس العنف الطائفي والتمرد الدموي الذي تخللته التفجيرات الانتحارية وعمليات قطع الرؤوس.
وحتى تحت الحكم البريطاني، تمتع سكان بغداد بتناول مشروباتهم الكحولية وبالموسيقى والرقص. لكن على مدى معظم السنوات الخمس عشرة الماضية حُرموا من هذه المتع.
في البداية سعى صدام حسين الى اغلاق الحانات والملاهي الليلية في انحاء المدينة. وفي عام 1994 اطلق ما يسمى بـ"الحملة الإيمانية" في محاولة لاقناع العالم الاسلامي انه قد اصبح مؤمنا بعد سنوات من الحكم الديكتاتوري . وقد أغلق الحانات والنوادي الليلية لإظهار ذلك .
وعادت الحياة الليلية إلى بغداد لفترة وجيزة بعد الغزو الاميركي. ولكن ما هي الا أشهر قليلة حتى اصبح التجول في المدينة بعد هبوط الظلام مغامرة لا يقدم عليها الا اشجع الناس او اكثرهم حمقا.
وفي احلك الاوقات تم قتل بائعي الخمور وتفجير محالهم على يد المليشيات. وحدهما المخابرات الاميركية والسفارة البريطانية امتلكتا حانات، لكنها كانت محدودة بخدمة الاجانب فقط وواقعة في عمق المنطقة الخضراء، وهي المنطقة المحمية التي لم يستطع معظم العراقيين ان يصلوا اليها.
اما اليوم فلدى العراقيين ثلاثين ملهىً ليلياً ليختاروا من بينها، بدء من حانة صغيرة عبارة عن حفرة في حائط مخصصة لطبقة العمال، الى النوادي العربية المنعمة بالحرير والراقصات وقناني الكحول على كل منضدة.
ويأتي على قمة القائمة نادي "المضيف" وهو بناية بطابقين ذات واجهة من الحجارة الصفراء في شارع ابو نواس، على ضفاف نهر دجلة. وقد كانت البناية في الماضي منتجعا للصحفيين وقادة الفصائل الفلسطينية وكبار المسؤوليين الحكوميين العراقيين.
حينما زرناه هذا الاسبوع، وجدنا ثمانين رجلا يرتدون بذلات براقة واحذية جلدية مدببة النهاية محتشدين على الطريقة البغدادية في صف الخدم والحشم.
هذا هو ما تبقى من اموال المدينة، بعد ان ارسل التجار والمهنيون اموالهم الى الخارج في سنوات المحنة. هؤلاء الموسرين يحتسون الجعة والحكول ويتسلون بمشاهدة راقصة تردي فستانا احمر يعانق جسدها ويثير جمهورها، لكنها بدت فيه مملة الى حد ما.
يقول عبد الزهرة ابو علي، وهو شيوعي متحمس يبلغ 52 عاما من العمر ويمتلك حصة في النادي، وقد تمكن اخيرا من تدليل نفسه: "لقد ولد العراق من جديد وهو يعود الى الحياة."
وفي اتحاد الأدباء، الكائن قرب ساحة الاندلس،التي تعج بالمؤلفين العراقين، كان الجو اكثر فقرا. فسقف الحانة المنخفض ومصابيحه العارية قد سلبت المكان ضوءه عن عمد. وعلى الرغم من مراوح التهوية المثبتة على الحائط، فان ضباب السجائر يسبح معلقا في الهواء. ويمكن مشاهدة مباراة كرة القدم المعروضة على شاشة التلفاز.
يقول احد الزبائن المعتادين: "لا اوصيكم بتناول الويسكي لانه مغشوش، وكذلك هي البيرة. جربوا العَرَق فهو يوناني."
يذهب معظم اغنياء بغداد الى ملهى "نجمة الزاوية"، حيث تجد قوائم المشروبات باللغتين العربية والانكليزية. وتشعر فيه باجواء مطعم الثمانينيات الايطالي في شمالي لندن.
وتستمع الى موسيقى "البي جيز" في هذا النادي. وهناك نبيذ لبناني للبيع، بينما تكلف زجاجة الويسكي اكثر من 110 دولارات. وهم لديهم نادلين من بنغلاديش، ويتوفر على قوائمهم للطعام طبق لشرائح اللحم بالفلفل الحار.
وهناك غرف للعشاق في الطابق العلوي، وقد شاهدنا في اثناء زيارتنا زوجا من المولهين يخرجان من المرافق العامة. الا فلتموتي بغيضك يا سوهو .

Saturday, March 14, 2009

لـم تنته اللعبة في العراق بعد.. لكنها تقترب من النهاية

عن: الهيرالد تربيون
ترجمة : علاء غزالة

المحمودية – بعد ان عاد الكابتن لانغروف، من الفوج الاول من الفرقة المدرعة 63، من دورية في المنطقة التي عرفت ذات مرة باسم (مثلث الموت)، اطلق عبارة تلخص الحرب في العراق بطريقة لم يكن يفكر بها احد، اذ قال: «نحن في نهاية اللعبة الان.» تقتضي خطة الرئيس باراك اوباما للانسحاب من العراق وقف العمليات القتالية للقوات الاميركية بحلول آب من عام 2010، لكن هنا في المحمودية، وعلى غرار مناطق اخرى في العراق، فان الحرب قد انتهت فعليا، وقد اتخذ العد التنازلي لستراتيجة الخروج شكلاً اوضح من أي وقت سابق.
ليس هناك من ضمان ان العراق سيبقى مستقرا، ذلك ان عنف القاعدة المتجرد عن القيم سوف يستمر، لكن العنف الطائفي الذي شهدته الاعوام 2006 و2007 لن يعود. ومع ان القوات الامنية العراقية قد تحسنت بشكل كبير الا انها ما زالت تعتمد بشدة على الاميركيين.
ومع ذلك، فكما ان الركود الاقتصادي يصبح واضحا فقط بعد ان يحدث بالفعل، كذلك هي حظوظ المجهود الحربي الاميركي.
انخفضت الهجمات الى ادنى مستوى لها منذ ايلول عام 2003، وبنسبة تبلغ 70% اقل من عددها في شهر آذار الماضي. وقد تم اغلاق العديد من المعسكرات الصغيرة بينما تقوم القوات الاميركية بالتجمع في القواعد الاكبر، وهو دليل على ان هذه القوات سوف تنسحب كليا تقريبا من المدن بحلول شهر حزيران. ويخطط القادة في معسكر بوكا جنوبي العراق من اجل اغلاق السجن الاميركي هناك، وتسليم السجناء الى العراقيين، واعتبار المعكسر محطة سفر للقوات العائدة الى بلادها.
واليوم، عشية الذكرى السادسة للحرب في العراق، هناك عمليتان قتاليتان نوعيتان فقط تجريان: «عملية الامل الجديد» في الموصل، و«عملية مطاردة الذئب» في ديالى. على ان اياً منهما لا تبلغ المقياس الذي بلغته العمليات في اسوأ اشهر الحرب، كما ان القيادة في كل منهما هي بيد الجيش العراقي.
وقد تغيرت المهمة بالكامل تقريبا من العمليات القتالية الى عمليات توطيد الاستقرار، من قتال المسلحين الى اعادة بناء الخدمات الاساسية في العراق وتحسين الاقتصاد بطريقة يمكن ان تقدم فرصا افضل للبلاد كي تنجح، وهو ما سيجعل الخروج الاميركي نصرا اكثر منه تراجعا.
وتتضمن المهمة الان التركيز على جهود كان الرئيس السابق جورج دبليو بوش يقلل من اهميتها، وهي بناء الامة. وذلك يعني تسليم مقاليد الامور الى الحكومة العراقية فعليا، وهو ما كانت الولايات المتحدة تقوم به سابقا بالاقوال اكثر منه بالافعال.
يقول الميجر جنرال ديفيد بيركنز، المتحدث العسكري الاميركي: «يتوجب علينا ان نرفع ايدينا عن مقود الدراجة، او عجلات التدريب، في وقت ما.» (في اشارة الى دراجة الاطفال التي تحتوي على عجلتين صغيرتين خلفيتين لتدريب الطفل على القيادة).
يقول القادة ان اكبر فرصة قد اتيحت من خلال الاتفاقية الامنية الجديدة بين الولايات المتحدة والعراق، والتي تضع العراقيين تحديدا في موقع المسؤولية عن العمليات القتالية اعتبارا من اول كانون الثاني. هذا يقلل، عن سابق تصميم، الدور الاميركي.
ومنذ ذلك الحين، خطط العراقيون ونفذوا العمليات الامنية للانتخابات المحلية التي اجريت في 31 كانون الثاني، والتي خلت تقريبا من العنف، وللزيارة السنوية لملايين الوافدين من الشيعة الى كربلاء الشهر الماضي.
وكما قال اوباما عند اعلان خطته للخروج من العراق، فان العمليات القتالية سوف تستمر، وستتمخض عن ضحايا. وقد قتل 26 اميركيا في العراق منذ تنصيب الرئيس الرسمي، 17 منهم نتيجة نيران معادية. يقول نائب قائد القوات الاميركية في الشمال، البريغادير جنرال روبرت براون ان القاعدة اضحت «ثعباناً يحتضر»، لكنها ما زالت «قادرة على اللسع.» وبينما يتولى العراقيون قيادة العمليات فان من المرجح ان تكون الضحايا اقل بين الاميركيين نتيجة الصدامات المباشرة مع مقاتلي العدو.
وقد حذر ضباط وجنود اميركيون، في مقابلات مع وسائل الاعلام على مدى الاسابيع الماضية، من الافراط في الثقة بالوضع الراهن، او الاسوأ من ذلك الشعور بالطمأنينة لما تم انجازه.
وقالوا انه ما زال هناك الكثير مما يجب عمله قبل اعلان النصر في الحرب. وخير دليل على هذا التحذير توصيات القائد الاعلى للقوات الاميركية في العراق، الجنرال رايموند اوديرنو، بابقاء اكبر قدر ممكن من القوات في أشهر الانتخابات البرلمانية التي من المقرر اجراؤها في كانون الاول.
لايزال امام القوات العراقية المزيد من التدريب، كما يجب تعزيز نظام الاستخبارات العسكرية، والقوة الجوية، والعناية الطبية، والامور التعبوية، التي تقدمها القوات الاميركية الان. تقع مهمة التدريب في هذه الامور على عاتق القوات التي اعلن اوباما انها ستبقى في العراق، والتي يقدر عددها بين 35,000 و50,000 عسكري اميركي، بعد الموعد النهائي في شهر آب عام 2010، وان كان عليها ان تنسحب هي الاخرى قبل حلول عام 2011.
ينظر الى الانتخابات الوطنية التي يطمح رئيس الوزراء نوري كامل المالكي في ان تمنحه دورة ثانية، على انها اختبار حيوي للتحول الديمقراطي في العراق، وهي اللحظة التي ستبرهن فيها البلاد قدرتها على اسناد نفسها، والا فان الوضع الامني قد ينهار مع كفاح الفرق المتعددة للحصول على السلطة، ويشتعل لهيب الانقسام الطائفي والعرقي.
يقول الميجر جنرال غاي سوان، مدير عمليات لدى الجنرال اوديرنو: «لا اعتقد ان أي احد لديه أي وهم بان هذا الامر قد قضي باي شكل من الاشكال. في الواقع، قد يكون هذا الوقت اكثر الأوقات هشاشة في عموم السنوات الست التي مرت علينا هنا.»
يتواجد الان في العراق اكثر من 140,000 عسكري اميركي، وهو عدد يزيد على العدد السابق لزيادة القوات من قبل بوش عام 2007، ولايزال السؤال عن أي عراق سوف تتركه هذه القوات خلفها بعد رحيل جلها يبحث عن اجابة.
يتساءل الكولونيل برت ثومبسون، احد قادة الجيش في ديالى: «هل العراق في وضع جيد بما فيه الكفاية لكي نقول اننا نستطيع ان نسحب قواتنا في 18 او 19 شهرا؟»
لكن خطة اوباما، على اية حال، قد حددت الموعد النهائي، وهو ليس لانهاء العمليات القتالية فقط. انها تعطي القادة نفاذة نهائية لكي يعززوا القوات الامنية العراقية.
يحدث هذا الامر في القاعدة الامامية للعمليات في شمال العراق.
حينما وصل القائد الاميركي، اللفتنانت كولونيل غاي بارميتر من فرقة الخيالة الثالثة، اول الامر في كانون الاول فانه دعا الضباط العراقيين الى مركز العمليات الذي يديره، بدلا من عزلهم في مقر منفصل. ويعمل العراقيون والاميركيون الان بعض مع بعضهم بشكل وثيق، حتى ان احد ضباطه يناقش الخطط مع نظيره العراقي عبر برنامج المحادثة الفوري لـ(ياهو).يقول بارميتر: «تعرف انهم سوف يوقفون الساعة. وعليك ان تسرع بقدر ما تستطيع.»تتباين قدرات الجيش والشرطة العراقية، ودرجة احترافهم ومهارتهم وتجهيزهم، من محافظة الى اخرى، كما تختلف التهديدات ايضا.
وفي المحمودية كادت شاحنة نيسان مستهلكة تحمل جنودا عراقيين ان تدهس سميث.ومن الواضح ان الشاحنة تعرضت الى عطب في جهاز الموقفات، فانحرفت عن مسارها الى الجزرة الوسطية حيث كان الكابتن واقفا. وهذه حقيقة مرّة عن تفاصيل الضبط والمعدات العاملة. وفي عموم العراق، فان دروية مثل تلك التي يقودها سميث هي القاعدة وليست الاستثناء.توقف الكابتن مع جنوده في احد مقرات الجيش العراقي لمناقشة مقترح لتدريب ضباط الصف.وزاروا السوق المحلي لتفقد نجار اثاث تلقى منحة من الاميركيين.
وكانوا ينوون ان يحصلوا على توقيع النجار على وصل عن عمله لوحة تعلن افتتاح طريق سريع جديد بالقرب من القاعدة الاميركية، لكن مساعده نسي جلب الوصل المطلوب معه.
يقول العقيد وسيم الساعدي من اللواء الخامس والعشرين في الجيش العراقي: «العراق آمن. هذا هو الوقت المناسب لكم لكي ترحلوا.»
وهذا ما يقوم به الاميركيون باطراد. فحتى الخريف الماضي، عملت ست افواج اميركية، تضم ما يزيد على 5,000 جندي، على القيام بدوريات في المناطق الواقعة جنوبي بغداد الممتدة من المحمودية الى الفرات. اما الان فلا تقوم بهذه العملية سوى دورية واحدة.
وقد اغلق الاميركيون العشرات من القواعد الصغيرة حول المحمودية، تاركين 1,000 جندي في القاعدة الرئيسة الكائنة في شمال المدينة.
ويكرم النصب المقام قرب القاعدة تضحيات الجنود الذين خدموا هنا، ولكن لم يكن هناك قتلى في قتال منذ آذار عام 2008. وفي الاجتماع الاخير لقادة الوحدة العسكرية كانت الاصابة الوحيدة التي اعلنت تعود لسرجنت التوى كاحله في لعب البيسبول.
يطلق اللفتنانت كولونيل جيم برادفورد، قائد الفوج الاول، على ما يواجهه الان تسمية «المشكلة الجيدة». ويقول ان العراقيين ينفذون غارات الان بدون ان نطلب منهم.
ويضيف: «ليس غريبا ان نستيقظ في الصباح ويأتينا خبر ان الجيش العراقي نفذ عملية تفتيش في الليلة الماضية، ومن ثم نسعى لمعرفة ما حدث. الامر الحسن في هذا انهم يفعلونه.»

Wednesday, March 11, 2009

سنغادر العراق وهو افضل حالا

عن: الغارديان
ترجمة: علاء غزالة

يدّعي الجنرال الذي قاد اطول حملتين عسكريتين بريطانيتين، وهما ايضا الاكثر اثارة للجدل في السنوات الستين الماضية، انه بخروج الجيش من العراق فان القاعدة تكون قد مُنيت بهزيمة ساحقة، وان جذور الديمقراطية تكون قد ترسخت. وكان اللفتنانت جنرال جون كوبر، والذي سيغادر منصب نائب القائد العام الذي يشغله الان ويتقاعد من الجيش بعد خدمة 30 سنة، قد قال ان البصرة التي سيغادرها البريطانيون اوائل الصيف المقبل، قد وقفت على قدميها من جديد وهي في مأمن من عودة أي نشاط للمليشيات. ويعتقد كوبر ان الانتخابات المحلية التي أجريت في شهر كانون الثاني الماضي في انحاء البلاد هي بمثابة نقطة تحول، وقال ان العراق سوف يصبح، مع رحيل القوات الاجنبية، بحال افضل مما كان عليه قبل ست سنوات.

ان تفاءله هذا ليس الا صدىً للتوقعات المتفائلة التي صدرت عقب انتخابات عام 2005، ولكن تلك الانتخابات قد ادلت – بدلا عن ذلك– الى تصاعد العنف. بيد انه قال ان الامر مختلف في هذه المرة. فالتبدل في المواقف في عموم المجتمع العراقي، اضافة الى التحسن الامني، سوف تمنعان الانجراف نحو الفوضى,
وقال كوبر في مقابلته الاخيرة قبل مغادرة العراق: «لقد تجذرت الديمقراطية هنا. من الواضح انه مازال هناك طريق طويل لانجاز المزيد من التطوير. لكن الانتخابات المحلية قد اظهرت ان العراقيين لديهم الشهية لذلك. لقد كانوا احرارا من أي خوف وامناء، وهو ما يعكس الرغبة في التغيير.»
وكان كوبر الرجل الثاني في تسلسل القيادة بعد القائد الاميركي ديفيد بترايوس وخـَلفَه رايموند اوديرنو. وكان القادة الثلاثة مسؤولين عن تحالف يضم 150,000 عسكري في العراق.
يأتي تقييم كوبر الايجابي قبل اسابيع من بداية مغادرة القوات البريطانية المتمركزة في البصرة للعراق نهائيا، والتي ستؤدي بدورها الى تجديد الجدال حول الدور البريطاني في الغزو وما تلاه من احداث.
وقد قتل عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين خلال التمرد. بينما يقف عدد القتلى بين الجنود البريطانيين عند الرقم 179 قتيلا، لكن هناك المئات من الجنود من الذين اصيبوا بعاهة جراء الحرب.
كما تم تدمير البنية التحتية، في بعض الاماكن، بشكل كبير.
وكان جنرالات اميريكون قد قالوا ان القاعدة قد هزمت ستراتيجيا في العراق بعد ان تم زيادة القوات الاميركية في العراق عام 2007.
لكن كوبر لم يذهب الى هذا المدى، بل قال: «لقد كانت القاعدة هنا باعداد كبيرة، لكننا نأمل انهم لم يحصلوا على اهدافهم ومقاصدهم. ان العبرة التي نستخلصها من ذلك ان المنظمات مثل القاعدة والتي تدعي انها تمثل الناس ولكنها تستهدفهم بعد ذلك لن تستطيع ان تكسب الناس الى جانبها. انهم يعانون ارتدادات نوعية، وقد اضمحلت قدرتهم على العمل واستهداف المدنيين.»
واضاف الجنرال كوبر: «لقد تضاءلت قدراتهم التنظيمية الى حد كبير. واستـُلبتْ قدرتهم على التواصل عبر الانترنت، وتلاشت قدرتهم على تمويل نشاطتهم. لقد تقلص حجم شبكتهم الفعالة الى حد بعيد.»
واستطرد قائلا: «لقد كانت زيادة القوات في غاية الاهمية. ان زيادة القوات لها فعلها، وقد شهدنا ذلك في ايرلندا الشمالية، في عام 1972، وايضا بالطريقة التي عملت بها قوات الصحوة والتي مكنتها من تجريد القاعدة من كل اسناد. اذا حصلت على تأييد الناس فسوف تكسب.» ويطلق مصطلح (مجالس الصحوة) على المجاميع التي تم تشكيلها بين العشائر والتي بدأت في الإتلاف مع قوات التحالف عام 2005 لغرض قتال القاعدة.»
على ان البصرة تبقى، برغم تعليقات الجنرال، فقيرة وبحاجة ماسة الى الخدمات الاساسية. لكن كوبر يعتقد ان اكبر مهمة لجيش الاحتلال يجب ان تكون في توفير الظروف الملائمة لاحداث التغييرات في المجتمع، اذ قال: «يقع على عاتق العراقيين ادارة حكومتهم الوطنية، من خلال تنمية القدرات الامنية الذاتية. وهم اضافة الى ذلك لديهم نظام قضائي محكم، ونظام تشريعي محكم ومفهوم، وقد تنامت هيكلية القوات الامنية. لقد فعلنا ذلك عن طريق بناء الديمقراطية في الشرق الاوسط. لقد بدأت البعثات الدبلوماسية، وقد عاد العراق من جديد الى المجتمع الدولي.»
واسترسل الجنرال في حديثه: «ستغادر القوات البريطانية العراق وهو بحال افضل مما كان عليه. لقد قدم الناس تضحيات. وفي بعض الاحيان قدموا منتهى التضحية ويتفهم الجنود ما يفعلونه هنا والسبب فيه. لن تحصل على حكم عادل من التاريخ ما لم يمت كل من ساهم في صنعه. لكني اعتقد، في الوقت الراهن، ان الناس سوف يقولون اننا لعبنا دورا قويا في الجنوب.»
ستبدأ القوات البريطانية في الانسحاب اعتبارا من منتصف هذا الشهر، تاركين خلفهم نحو 400 من الجنود والبحارة والمتعاقدين وسيكون واجب هؤلاء العناصر المتبقية الاساس منحصرا في تدريب قوات الجيش والبحرية العراقية.
وكان كوبر قد وصل الى العراق اوائل عام 2005 وكان برتبة ميجر جنرال، بعد ان خدم نائبا لقائد مسرح العمليات في افغانستان. حينذاك كان المتمردون قد اتخذوا قواعدهم الثابتة. وقاد الفرقة المدرعة الاولى في العراق الذي اتجه حينها بسرعة نحو التمرد المناهض للتحالف ونحو الحرب الاهلية.
اما اليوم فهو يترك البلاد مع تيارين يتحركان باتجاهين متعاكسين: فالعراق يعزز منجزاته الامنية، بينما يتصاعد التمرد في افغانستان.يتساءل الجنرال: «ما حصل في العراق كان تمردا واسع النطاق. فما الفرق في العراق عام 2009؟»
وسرعان ما يجيب قائلا: «انها الظروف. في عام 2003 رُفع الغطاء عن ما يزيد على ثلاثين عاما من القمع الوحشي، مما ادى الى تحرر الرغبات الشخصية لكل فرد. لقد استلزم الامر مقدار من الزمن لكي يدرك العرب السنة ان عليهم ان يشتركوا في العملية السياسية. وقد استغرقت المليشيات الشيعية زمنا لفعل الشيء عينه. كما اخذ بناء قدرات الحكومة زمنه هو الاخر. لقد كان الوقت مناسبا في عام 2008 لفعل ذلك.»
غير ان القوات الاميركية سوف تخلف القوات البريطانية في قاعدتها المحصنة في مطار البصرة، الواقعة على بعد 15 كيلومترا الى الشمال من المدينة، وهي الحقيقة التي تفتح الباب للنقد بان مهمة البريطانيين ابعد ما تكون عن الانجاز مما يدعي كل من ويستمنستر ووايت هول في المقرات الحكومية.
وقال كوبر، من مكتبه في السفارة الاميركية في بغداد : «سيقوم الاميركيون بشي مختلف. كانت مهمتنا الاساس تكمن في تدريب 13 فرقة من الجيش العراقي. لقد انجزنا ذلك. كما اننا استهدفنا توفير الظروف الملائمة لتنمية النشاطات غير العسكرية الاخرى. ستكون القوات الاميركية اصغر. كما انهم سوف ينسحبون ايضا. انهم لا يستنسخون ما قمنا به بالفعل.»
يقول المسؤولون العراقيون في البصرة ان القوات الاميركية قد اتخذت المبادرة فعلا في توفير الامن الى المدينة منذ ما يزيد على ستة شهور. فالبريطاينون يحتفظون بـ18 مركزا امنيا بالتعاون مع الجيش العراقي في عموم مدينة البصرة، الا ان من النادر مشاهدة وحداتهم تسير في شوارع البلدات والمدن.
وقد انتقدت بعض المجاميع في العراق القوات البريطانية بسبب ندرة خروجهم من قواعدهم منذ اواخرعام 2007.
وبينما تزداد عدم شعبية الحرب في العراق بين الشعب البريطاني، فقد وُجهت اتهامات الى الحكومة بانها اتخذت اجراءات متطرفة جدا للتقليل من الضحايا في احدى جبهتي القتال، بينما تستمر الحرب في افغانستان في حصد ارواح الجنود والمجندات البريطانيين بارقام متصاعدة.
ولم تغادر الدبابات البريطانية نوع (تشالنجر) قواعدها في البصرة منذ ثمانية اشهر، وقد تم تقليل العمليات القتالية بحيث لم تتعد المشاركة في الطلعات الجوية في بغداد ومحيطها.
وكان باراك اوباما قد اعلن قبل وقت قصير ان جميع الوحدات القتالية الاميركية سوف تخرج من العراق في العام 2010، أي قبل سنة مما كان متوقعا.
وقد انسحبت القوات البريطانية من مدينة البصرة لتستقر في قاعدة المطار في ايلول من عام 2007، بعد ان تفاوضت مع المليشيات التي قاتلوها في جنوب العراق لثلاث سنوات خلت، لتوفير ممر آمن. وقد ساندوا الجيش العراقي في حملتها في آذار الماضي من اجل طردهم خارج مدينة البصرة، وهي العملية التي أدت الى احلال الامن نسبيا في المدينة.
وكان كوبر قد عاد للعراق للتو في ذلك الوقت بعد عامين من انقطاعه عنه، ولم يكن قد علم بشأن العملية. وقد تركت بعض القوات العراقية التي اشرفت القوات البريطانية على تدريبها مواقعها ومركباتها اثناء العملية التي اطلق عليها (صولة الفرسان).
لكن كوبر اصر على ان القدرات العراقية قد تنامت بشكل كبير.
مضيفا: «لقد أعلنت الحكومة بجلاء ان هناك قوة واحدة مسموح لها في النظام الديمقراطي وهي القوات الحكومية. لقد شهدت مناطق الجنوب سيطرة المليشيا على حياتها، وهو ما رفضوه في آخر الامر. لقد توصلوا الى ان من الافضل لهم ان يكونوا منخرطين في العملية السياسية.»

ـ12,000 عسكري أميركي يغادرون العراق .. إعلان الخطوة الأولـى نحو الانسحاب

عن: الواشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

أعلن الجيش الأميركي يوم الأحد الماضي إن 12,000 جندي اميركي سوف ينسحبون من العراق بحلول شهر ايلول، وهي الخطوة الاولى لتنفيذ خطة ادارة اوباما لسحب القوات القتالية خارج البلاد بحلول آب من عام 2010. وكان الرئيس اوباما قد اعلن الشهر الماضي، بينما كان يعمل على تحديد الموعد النهائي للانسحاب، ان الولايات المتحدة سوف تقيد نفسها باهداف يمكن تحقيقها قبل مغادرة العراق. ان توقيت اعلان الانسحاب يوم الاحد يؤكد ان العراق سوف يبقى –على الارجح– مكانا خطرا ومضطربا وضعيفا امام الهجمات الدموية الكبيرة في إثناء الانسحاب الاميركي.

فقبل ساعات من اعلان الانسحاب اقدم مهاجم انتحاري يقود دراجة نارية على تفجير نفسه وسط جمعاً من الناس امام مدخل كلية الشرطة في بغداد، ما ادى الى مقتل 28 شخصا وجرح العشرات. وقد روى الناجون قصصا عن مشاهد الفوضى والارتباك الذي تلا الانفجار، بينما حاولت سيارات الاسعاف ان تشق طريقها في الشوارع المزدحمة. كما اطلق رجال الشرطة العيارات النارية في الهواء، اما بسبب ارتباكهم او خوفا من من انفجارٍ ثانٍ، في محاولة لتفريق الجموع.
وفي فترة مابعد الظهيرة لم تبق الا اثار قليلة للجهوم، وهي عبارة عن قطع من الزجاج المتناثر على الاسفلت. وتدلى من عمود جسر قريب ملصق ممزق يعود الى فترة الانتخابات المحلية، خطت عليه عبارة تقول: "بدماء الشهداء يتحرر العراق."
وبحسب خطة الادارة الاميركية، فانه سوف يتم تأجيل تقليل عديد القوات الاميركية التي يزيد عددها على 130,000 عسكري الى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في شهر كانون الاول، تلك الانتخابات التي يرى فيها الجميع تقريبا انها ستكون نقطة انقسام محتملة. وتتطلب الاتفاقية التي تم التفاوض عليها بين العراق والولايات المتحدة في العام الماضي ان تغادر جميع القوات الاميركية بنهاية عام 2011، وهو الموعد النهائي الذي اعاد المسؤولون العراقيون التأكيد عليه يوم الاحد، حيث قال علي الدباغ، الناطق باسم الحكومة: "ليس في نية الحكومة العراقية ان تقبل بوجود قوات اجنبية او قواعد لها بعد عام 2011."
ولكن مسرح عمليات الجيش الاميركي في العراق قد تغير بشكل كبير، حتى قبل وقت طويل من الموعد النهائي للانسحاب. واستنادا الى الاتفاقية الامنية يتوجب على القوات الاميركية ان تغادر المدن بنهاية حزيران، كما ان اوباما قد اصدر امرا للوائين قتالين كانا على وشك الذهاب الى العراق لاستبدال قوات اخرى، لاعادة انتشارهما في افغانستان بدلا من العراق. ان مغادرة اللوائين القتاليين المقررة في ايلول سيجعل عدد الالوية القتالية الاميركية في العراق 12 لواءا. كما ان سربا من طائرات اف-16، مع بعض الوحدات الساندة، ستغادر هي الاخرى، ا4ضافة الى الجنود البريطانيين الـ 4000 المتبقين في العراق، والذين يتخذون من جنوبي العراق مقرا لهم.
وكان اكبر عدد للقوات الاميركية في العراق قد بلغ 165,000 عسكري. وسوف تبقى قوات قوامها 50,000 عسكري في العراق حتى بعد مغادرة القوات القتالية، لاغراض التدريب، ومن اجل ما يطلق عليه المسؤولون بعمليات مقارعة الارهاب.
وقال الميجر جنرال ديفيد بيكنز، المتحدث باسم القوات الاميركية، وهو يعلن عن الانسحاب: "لا نشعر بالاطمئنان باي شكل من الاشكال. نحن نعلم ان القاعدة، على الرغم من انخفاض قدراتها وعديد افرادها بشكل كبير، الا انها ما زالت تكافح للحصول على النفوذ هنا."
واضاف بيركنز ان القوات المتبقية سوف يُعاد انتشارها في انحاء البلاد. وعلى الرغم من انخفاض الهجمات بشكل كبير، الا ان هناك اجزاءً من العراق ما زالت ترزح تحت نير العنف بشكل واضح. ولايزال التمرد ناشطا في مدينة الموصل الشمالية، اضافة الى خطوط التقسيم العرقي في البلاد. وبقيت ديالى التي هي خليط من الأعراق والديانات منطقة خطرة برغم الحملات المتكررة التي قامت بها القوات الاميركية والعراقية لقمع المقتالين فيها.
وقال بيركنز: " لن نترك ثغرات امنية خلفنا. نعرف كيف نفعل ذلك. هذه ليست المرة الاولى التي قللنا فيها من عديد قواتنا."
وحتى العراقيين المتشددين حيال الوجود الاميركي، الذي ابتدأ حينما غزت الولايات المتحدة البلاد واحتلتها في اوائل عام 2003، اعربوا عن قلقهم من احتمال تصاعد العنف خلال الانسحاب. وبرغم تصريح الدباغ بان العراق "يعود الى الحالة الطبيعية"، فان المسؤولين الاميركيين يقرون بان من المحتمل ان تستمر الهجمات المماثلة لهجوم الاحد في اجزاء من العراق. وقد علل بيركنز الهجمات التي تهدف الى جلب انتباه وسائل الاعلام بانها اشارة على اليأس بعد نجاح الانتخابات في شهر كانون الثاني والمفاوضات على الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة. ويأتي تصريحه هذا ترديدا لوجهة النظر التي عادة ما يكرر الجيش القول بها.
كما قال بان العنف قد وصل الى ادنى مستوياته منذ صيف عام 2003.
واضاف: "حينما تستشعر القاعدة انها تحت ضغط هائل فانها تفقد زخمها، ومن ثم تعمل جاهدة لاستعادة نفوذها واستعادة زخمها."
وفي هجوم يوم الاحد، قام الارهابي بتفجير قنابل حملها على جسمه وعلى دراجته النارية في منطقة ذات حماية مكثفة ببغداد تقع بالقرب من مقر وزارة النفط ومقرات عسكرية وحكومية اخرى. كما ان مدخل كلية الشرطة محمي بالجدران الكونكريتية، غير ان الجموع المستهدفة كانت تقف تحت الجسر، على بعد عدة امتار من المدخل، وكانت معرضة الى حركة المرور.
وقد تجمع الرجال خارج الكلية على امل ان يتطوعوا في سلك الشرطة. وقال الناجون ان رجال الامن تركوهم ينتظرون في الشارع لفترة اكثر من ساعتين من دون ان يعطوهم اية توجيهات، كما عبر البعض عن الغضب لتركهم هدفا سهلا للهجمات بهذا الشكل.
وكان تفجير سابق قد استهدف كلية الشرطة ذاتها في الاول من كانون الاول الماضي ما ادى الى مقتل 15 شخصا.
يقول علي فراجي، الذي كان يحاول ان يحصل على قبول في الكلية منذ ثلاث سنوات: "لم نحط علما بما كان يجري. لقد طلبوا من القدوم، ثم ابعدونا. طلبونا من جديد، ثم ابعدونا مرة اخرى. لم يكونوا ليخبرونا بأي شيء."
وفي مستشفى الكندي، عُلقت اسماء الجرحى الـ 58 على مرمر المدخل الرمادي، وقد كتبت من دون عناية على ورقة دفتر ولصقت باستعمال شريط لاقص معد للعمليات الجراحية. وساعد الاشخاص الموجودون في المنطقة في البحث عن اسماء اقرباء هؤلاء الذي لا يجيدون القراءة.
قالت امرأة وهي تنوح: "لم اعثر على اسمه. اين اسمه؟"
وقف حنون حسين مع ابنه اسعد، ذي العشرين عاما، وكان قد ذهب الى كلية الشرطة بعد ان شاهد اعلانا عن فتح باب التقديم في الكلية على التلفاز في الليلة الماضية. كانت هناك ضمادة على عين ابنه، كما فقد سمعه نتيجة الانفجار.
وتساءل الوالد: "لماذا يتركوهم في الخارج. لماذا لا يدخلوهم إلى داخل البناية؟ لماذا يتركوهم في الشارع ألا يعلمون أن الوضع شديد الخطورة في الخارج؟."

Thursday, March 05, 2009

نهاية «الفترة المظلمة» التي مرت بها بغداد

عن: واشنطن بوست
ترجمة: علاء غزالة

بغداد – خرج جندي اميركي من نادٍ ليلي في بغداد، حاملا باحدى يديه سلاحه وباليد الاخرى علبة معدنية خضراء من الجعة. اخذ رشفة من العلبة ومشى نحو اثنين من الضباط وقد ارتدى بزة تبدو كما لو كانت البزة العسكرية النظامية مع كل معدات القتال. وفي داخل النادي الليلي، في ليلة الخميس، يحدق الجنود الاميريكون من الفرقة 82 المحمولة جوا نحو شابات عراقيات، يبدو انهن راقصات محترفات، وهن يتمايلن على وقع موسيقى البوب العربية، بينما راح المطرب ينشد اغنيته متمهلا من خلال لاقط صوت رديء يطلق صفيرا بين الحين والاخر. كل ذلك كان قبل وقت قريب محرما من قبل المتطرفين الاسلاميين ويعاقبون عليه بقطع الرأس.
وبعد عشرين دقيقة، دفع ثلة من السكارى جنديا اميركيا ليرقص. حرّك الجندي قدميه بصورة ناشزة، وهو يضع معدات الرؤية الليلة ويحمل جهاز الاتصال الخاص به، ليشارك النساء والرجال المتحمسين في رقصة الدبكة العربية حول منضدة ملآى بقناني الجعة الفارغة.
لقد تقوقع الجنود الاميركيون والغربيون الآخرون في بغداد، على مدى معظم السنوات الست الماضية، خلف جدران من الكونكريت والاسلاك الشائكة، وحينما يخرجون الى الشوارع فانهم يجولون بعربات مصفحة، خوفا من الهجمات او الاختطاف. فالوقت الذي يمضونه في المنطقة الحمراء، وهي جميع انحاء مدينة بغداد باستثناء منطقة محمية، عادة ما يجلب لهم المصائب. لا يغادر الجنود الاميركيون قواعدهم او معسكراتهم الا اذا كانوا في الواجب.
يقول الجنود في شارع ابو نواس انهم كانوا يزورون النادي الليلي للتحدث مع المدير حول امور امنية، لكنهم كانوا يخالطون العامة من العراقيين بطريقة لم يكونوا يتخيلوها قبل بضعة شهور فقط. يعكس المشهد تزايد الشعور بالامان في العاصمة العراقية وفي انحاء كثيرة من العراق، لكن من المستحيل معرفة كم من الجنود الاميركيين في بغداد قد وافته الفرصة او الرغبة في شرب الجعة بينما يقوم بدورية، وهي مخالفة للقوانين العسكرية التي تمنع تناول المشروبات الروحية في مناطق الحرب.
ولكن المتحدث العسكري الاميركي، السرجنت كريس ستانغر، كان متشككا، في معرض جوابه عن سؤال حول ما قام به الجنود، إذ قال: "اريد ان افهم هذا بوضوح، هل رأيت الجنود الاميريكون في النادي الليلي في وسط مدينة بغداد خارج المنطقة الخضراء مرتدين الزي النظامي ويشربون ويرقصون؟"
يقول مدير النادي الليلي، صلاح حسن، ان زيارة الخميس لم تكن استثنائية، ويضيف: "لقد جاء الاميريكون الى هنا اربع او خمس مرات خلال هذا الاسبوع. لقد اشتروا مشروبات ودفعوا اثمانها."
وأيد آخرون ان الجنود الاميريكيين قد جاءوا الى النادي اكثر من مرة. تقول امل سعد، وهي شابة قصيرة القامة، تضع عدسات لاصقة زرقاء وتصبغ شفتاها باللون الاحمر بكثافة: "انا احب الاميركيين، واحب قدومهم الى هنا. ذلك يشعرني بالامن."
وتستطرد قائلة: "لقد ذهبت معهم الى عرباتهم المدرعة عدة مرات. لقد اخذوني الى المتاجر واشتروا لي الحلوى والهدايا."
يقول حسن انه افتتح ناديه بعد ان حصل على منحة قدرها عشرة الاف دولار من الجيش الاميركي، تم تخصيصها على خطة للمساعدة في اطلاق المشاريع الصغيرة، ضمن ستراتيجية اشمل لمقارعة التمرد واحلال الامن في بغداد. ويضيف حسن: "انهم يأتون ويرقصون. يعرف بعضنا البعض الاخر جيدا. وهم يخبرون اصدقاءهم ومن ثم يأتي هؤلاء الى هنا ايضا."
تنص اتفاقية مستوى القوات، التي وقعتها كل من حكومتي الولايات المتحدة والعراق في شهر تشرين الثاني الماضي، على ان يتم تقديم الجنود الاميركيين الذين يرتكبون جرائم خطيرة خارج قواعدهم وخارج الواجب الى القضاء العراقي، برغم ان الولايات المتحدة احتفظت بالكلمة الاخيرة في تحديد ما اذا كان الجنود خارج الواجب. تعطي مشاهدة الجنود وهم يشربون ويرقصون انطباعا يصعب تفاديه بان الجنود ليسوا في الواجب، بل هم في وقت الراحة.
يقول العريف ايريك كارترايت، الذي يبلغ 26 عاما من العمر وهو من كندا، بينما كان يراقب رفاقه يرقصون الدبكة: "الجميع يستمتع بوقته هنا. لا احد يخشى من ما يمكن ان يحدث. هذه إمارة جيدة."
لقد كان شارع ابو نواس عصبا للحياة في السبعينيات. وقد ظلت الحانات مفتوحة حتى ساعات الصباح الاولى. ولكن صدام اغلق جميع الملاهي الليلية في عام 1994، في مسعاه للحصول على دعم الجماعات الدينية العراقية المحافظة.
وبعد الغزو الاميركي عام 2003، استهدفت المليشيات والمتمردون بائعي المشروبات الكحولية. وقد ارسلوا تهديدات بالقتل الى المطربين والراقصات، ما اجبر الكثير منهم على الهروب الى خارج البلاد.
وقد سمحت الحكومة بإعادة افتتاح النوادي الليلية قبل ثلاثة شهور، وهي الخطوة التي وسعت من شعبيتها بين الكثير من العراقيين من سكان المدن. لكن الكثير من النوادي الليلية بقي مقفلا خلال معظم الفترة التي تلت اصدار هذا الامر، وهي الفترة التي تضمنت ايضا بعضا من الايام المقدسة لدى المسلمين.
لايزال تهديد المتطرفين ساريا، بيد ان الاجراءات الامنية المشددة عبر العاصمة قد ولدت الثقة.
وبدأت النوادي الليلية بفتح ابوابها في بعض المناطق في بغداد. وتستضيف الفنادق فرق الرقص من اجل الترفيه عن العراقيين الموسورين. اما النوادي الاجتماعية، التي توفر المشروبات الكحولية والقمار مدفوعة ضمن تذكرة الدخول اليها، فقد بدأت تشهد تزايداً في زبائنها. ويعود المطربون من منفاهم.
ولعل شارع ابو نواس اليوم هو من اكثر المناطق امنا منطقة في بغداد. وهو يسير بمحاذاة نهر دجلة، وينتهي عند احدى بوابات المنطقة الخضراء، حيث تقع ابنية السفارة الاميركية والحكومة العراقية. ويقع النادي الليلي الذي يملكه حسن عند فرع يمتد من هذا الشارع وتغلقه جدران كونكريتية من كلتي نهايتيه بالاضافة الى تواجد نقاط تفتيش يقوم عليها متعاقدون امنيون خصوصيون عراقيون وقوات الشرطة. وفي نهاية الشارع توجد مكاتب على هيئة ثكنات عسكرية لمنظمات اعلامية غربية، كل منها يمتلك قواته الخاصة. وتقوم القوات الاميركية بدوريات راجلة في المنطقة كل يوم تقريبا.
يقول حسن: "هذه المنطقة محمية بشكل جيد. لو لم اتوفر على الامن لما كنت قادرا على تشغيل النادي، لان الزبائن كانوا سيحجمون عن القدوم الى هنا خشية القتل او الاختطاف."
ويقول ان رجالا مسلحين دخلوا ناديا ليليا بساحة الاندلس في الليلة الماضية واختطفوا اثنين من الزبائن.
وبعد مضي دقائق معدودة من الحديث بدأ حسن يتوجس من مناقشة زيارة الجنود الاميركيين. وقد طلب ان لا يذكر اسم ناديه الليلي، حتى وان كان الاسم قد كتب على لوحة ضوئية خارج النادي وباللغة الانكليزية. ويعلق على ذلك بالقول: "سوف يأتي الاميركيون ويغلقوا النادي."
وتجد في نادٍ مجاور الرواد وقد اسكرتهم الخمرة لدرجة انهم لم يعودوا يبالون بالتهديدات. وكان كل منهم قد دفع 45 دولارا اجرا لدخول النادي، وهو مبلغ كبير بالنسبة الى الكثير من العراقيين، لسماع غناء اديبة، وهي احدى المطربات في البلاد. ولم تخيب اديبة، ذات الشعر الاسود، ظنهم.
انهالت على كل من الرجال الحاضرين بالقبل، وبدأت بالغناء:
صدقني، لم اضجر منك
روحي ساكنة في بيتك
صدقني
وبينما كانت تغني اديبة، جالت راقصة، ترتدي فستانا ذا لونين احمر واسود، في حلبة الرقص بينما اهتاج الجمهور بالصياح. وفي الاثناء هزّ شبان يرتدون سترات انيقة اجسادهم ولوحوا بمناديل وردية اللون. صعد احد الرجال الى الحلبة ونثر ملء اليد نقودا لتنهال على اديبة وفرقتها ذات الخمسة رجال.
وكانت اديبة، وهي على غرار معظم المطربات العراقيات تستعمل اسمها الاول فقط، قد عادت من البحرين قبل شهرين، بعد ان فرّت من العراق قبل ثلاث سنوات. وهي تقول: "لم يكن هناك عمل أما هنا، فقد كان يتم قطع رؤوس المطربات اللائي يعثر عليهن وهن يغنين."
وقد شجعها التحسن الامني على العودة، كما ان "العيش خارج بلدي يقتلني" كما تقول. يضاف الى ذلك انها سمعت بان النوادي الليلية قد فتحت ابوابها من جديد.
تقول اديبة بثقة: "لقد ولى العهد المظلم."
ويوافق جمهورها على ذلك.
يقول منتظر خزعل، بائع الملابس ابن الـ 18 ربيعا: "اشعر بالامان بمجرد الاستماع اليها."
ويضيف صديقه حسين شيبا، الذي يبلغ 17 ربيعا فقط: "لم نكن نتوقع ان يأتي مثل هذا اليوم في العراق."
وفي هذه الاثناء، وفي نادي حسن الليلي، يرقص الجنود الاميركيون يدا بيد مع اصدقائهم العراقيين الجدد.

Wednesday, March 04, 2009

القاعدة في العراق تبحث عن مأوى بعد هزيمتها

عن: كريستيان ساينز مونيتر
ترجمة : علاء غزالة

تـُنغص الملازم درو فاندرهوف احد احباطات حرب مقارعة التمرد التقليدية وهو ينظر عبر قناة ماء الى قرية (ام الكطان) التي تضم 20 منزلا. يقول: نحن نعلم ان هناك وجوداً لتنظيم القاعدة في العراق في هذه القرية، وعلى الرغم من انه يمتلك قوائماً بالاسماء وحتى المعلومات الحيوية عن كل فرد في هذه القرية، التي تقع على بعد 40 كيلومتراً عن بغداد، الا انه لا يعرف على وجه التأكيد من يعمل مع هذا التنظيم ومن لا يعمل معه. لكن القصة تختلف على جانبه من القناة. فاحد الجنود في فصيل الملازم فاندرهوف يلحظ بروز مشروعاً زراعياً جديداً، وهو علامة على ان المهجرين قد بدأوا بالعودة بعد تحسن الوضع الامني على الرغم من بقاء تنظيم القاعدة في العراق في المنطقة.
فالعنف المستمر في المحافظات البعيدة مثل ديالى ونينوى يدلل على انه برغم انخفاض العنف وعودة الحياة الى طبيعتها في بغداد، فان اطراف العراق، وهي المدن الريفية والقرى الزراعية والمناطق الصحراوية، قد اصبحت الجبهة الجديدة في الحرب ضد تهديد التمرد، مع فرار المتطرفين من المدن واختبائهم في الاماكن النائية من البلاد.
وتبدو آثار من نشاطات التمرد جلية في اثناء دورية مشتركة للقوات الاميركية والعراقية، فقد اكتشف جنود في فصيل الملازم فاندرهوف، في اثناء تفتيشهم القناة التي جفّ ماؤها، «حفر عناكب» وانفاق حفرت على جانب الجرف الجاف. يستخدم المتمردون نظام الانفاق هذا للتخفي عن الطائرات العمودية المارة، ولخزن كل شيء يحتاجونه من الاسلحة الى الدراجات النارية.
يقول ضابط الصف باتريك ويكسون: اينما نذهب يخبرنا الناس انهم هنا وانهم في هذا المكان، ويضيف زميله في الفصيل العريف كريس كالهون: انهم ليسوا نشيطين جدا في فصل الشتاء، ما يعني ان التوقف الحالي عن النشاطات المسلحة قد يكون خادعاً.
ومع ذلك، بينما اظهر المتمردون مثابرة في العودة الى نشاطاتهم السابقة، فان القوات الاميركية تقول انها بدأت أخيراً في إحراز تقدم، والفضل في ذلك يعود بشكل كبير الى تنامي قدرات القوات الامنية العراقية واقدام سكان القرى المحلية.
يتساءل اوستن لونغ، الخبير في شؤون الحرب على التمرد في مجموعة راند بواشنطن: «لقد اصبحت الاحداث تسير الان في مصلحتنا، لكن السؤال هل سيستمر الحال على نفس المنوال في حال انسحبت القوات الاميركية؟» فعلى محيط منطقة بغداد هناك «وجود هائل للقوات الاميركية، مع الاعداد الاضافية من الجنود (التي ساعدت في الوصول الى النجاح)، وهو ما لم يتوفر في مناطق مثل ديالى.»
ومع تراجع التوتر الطائفي في بغداد، فقد حول تنظيم القاعدة في العراق تركيزه على المناطق ذات خطوط التماس الطائفي الهشة. وتضم محافظة ديالى بين طياتها جميع الأطياف العراقية الرئيسة، من العرب الشيعة والعرب السنة والاكراد، ما يعطي تنظيم القاعدة فرصة اكبر لتحريض احد الاطراف ضد الآخر لنشر الفوضى وخلق فراغ في السلطة، وهو ما يتيح للتنظيم بالتالي ان يمارس اكبر سيطرة.
يقول المستر لونغ: «لقد تمكنت القاعدة من اللعب على التقسيمات الطائفية بشكل اكبر في ديالى، وبالتحديد في منطقة بعقوبة، منها في محافظة الانبار، لانه لا يوجد أي تقسيم طائفي في هذه الاخيرة من الاساس.» لقد اتضح التغيير جليا مع حقيقة ان ارقام الضحايا العراقيين في المناطق خارج بغداد قد تجاوزت مثيلتها في بغداد. فبينما جرت العادة على ان تكون اكبر نسبة للضحايا في العاصمة، وقد بلغت 54 بالمائة في عامي 2006 و2007، اصبحت هذه النسبة 32 بالمائة فقط خلال عام 2008، حسب احصائيات موقع الكتروني يسمى (ايراك بودي كاونت)، وهو متخصص في حساب اعداد الضحايا في العراق.
وفي ديالى، يقول القادة الأميركيون انهم على الرغم من تجشمهم عناءا شديدا للحصول على مكاسب طيبة في الماضي، الا انهم قد بدءوا للتو في تحقيق بعض التقدم. يقول الكولونيل برت ثومسون، قائد اللواء الاول القتالي المتمركز حاليا في ديالى: «نحن لم ندمر تنظيم القاعدة في ديالى. لكننا اجبرنا القاعدة على اعادة النظر في نشاطاتها.»
وقد جهدت القوات الاميركية في تأمين محافظة ديالى حتى وقت قريب، بسبب النقص في اعداد القوات المطلوبة لمسك الارض التي يتم تحريرها. يقول السرجنت وايني لاكلير، من بطرية المدفعية الميدانية التي تتمركز حاليا في ديالى: «نحن ندخل الى الموقع، وننفذ عملية ما، ثم نترك الموقع، ومن ثم تعود المليشيات من جديد.» ويضيف انه في بداية الحرب «لم نتفهم كم كانت هذه المليشيات متفانينة وصعبة المراس.»
اما الان، فبعد ان تنتهي قوات الولايات المتحدة من تطهير منطقة معينة، تقوم قوات الجيش والشرطة العراقية، ومجاميع مراقبة الاحياء المعروفة باسم (ابناء العراق) بنصب نقاط سيطرة على طول الطريق لضمان عدم عودة المتمردين. وعلى الرغم من استمرار زرع القنابل على جانب الطريق وعدائية السكان المحليين، الا ان القوات الامريكية تقول ان الوضع الامني قد تحسن بشكل درامي.
يقول الميجر جون سوردز، الضابط التنفيذي في بطرية المدفعية الميدانية: «لم يعد هذا المكان معقلا للمليشات كما كان سابقا. انهم الان اما فارين او خافضي الرؤوس... واوضح مؤشر على ذلك ان الناس قد بدءوا بالعودة الى منازلهم.»
ذلك حق. فبعد ان أخليتْ قرىً على بكرة أبيها خلال احلك ايام القتال بين عامي 2006 و2008، فان عددا يصل الى ثلث تعداد سكان المدن في المحافظة قد عادوا في غضون ثلاثة اشهر.
يقول الميجر فيليب جنيسون، ضابط العمليات في بطرية المدفعية الميدانية، في معرض حديثه عن المناطق التي عاد اليها المهجرون: «نحن على وشك تحقيق الامن التام. لعل من الجدير بالإشارة إلى أن الناس كانوا مرتعبين من العودة قبل ثلاثة او اربعة شهر فقط».